تفــكيك بيان مؤتمر (عملاء) الرياض!
“إعلان الرياض” حاول إلغاء اتفاق السلم والشراكة المعترَف به محلياً ودولياً ووفقاً لهذا الاتفاق تشكلت حكومة بحاح التي ما يزال “عملاء الرياض” يتمسكون بشرعيتها
- المؤتمرون في الرياض أغمضوا أعينهم عن خطر القاعدة وداعش ولم يتطرقوا إلى سقوط حضرموت بيدها
- ذروة التناقض أن يطالب هادي وزمرته بإقرار مبدأ المساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرب، متناسين أنهم باتوا مطلوبين للعدالة بتهمة الخيانة العظمى وارتكاب جرائم حرب موثقة بالصوت والصورة
المسيرة/ تحليل/ خاص
في الوقت الذي كان النظامُ السُّعُـوْديّ وعملاؤه يسابقون الزمن من أجل عقد مؤتمر “حواري!!” في الرياض، كان صدى دعوة الأمم المتحدة للحوار في الجنيف أَكْثَرً قبولاً لدى المجتمع الدولي والأَطْـرَاف السياسية الفاعلة بالـيَـمَـن، الأمر الذي جعل القائمين على مؤتمر الرياض يقتنعون بفكرة أنهم بصدد مؤتمر لإصدار قرارات، وليس بهدف إجراء حوار بين القوى السياسية الـيَـمَـنية.
وإذ تمخض المؤتمرُ عن بيان اكتظ بالتفاصيل المتداخلة والمتناقضة، فقد كانت الكلمات الارتجالية التي ختم بها المخلوع هادي جلسات المؤتمر أصدقَ تعبير عن مستوى التفكير الضحل الذي وصل إلَيْـه الساسة المرتزقة من أشياع هادي والمتباكين على شرعية وسلطة كانت مشروعيتها محل تجاذب نفس الشخصيات، والأَطْـرَاف التي التئمت على طاولة الارتزاق في كنف نظام منحط، وتحالف لأنظمة مأزومة تعيش وهم “الخطر الفارسي”، بينما هي غارقة حد الثمالة في التبعية للمشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة.
هكذا غدا ما يسمى بمؤتمر الرياض عنواناً للفشل والإفلاس السياسي الذي دلت عليه وعلى نحو مكشوف ثنايا سطور “إعلان الرياض”، وديباجة البيان الختامي للمؤتمر، بالإضَافَـة إلى الكلمات التي تخللت يومياته، والتغطية الإعْـلَامية المصاحبة لجلساته.
تـناقـضات بـالـجملة:
دعا الإعلانُ إلى المحافظة على أمن واستقرار الـيَـمَـن، لكن في إطار التمسك بالشرعية، وفي ذلك تناقض صارخ بين التطلع إلى يمن مستقر، والتمسك بشرعية رئيس قَدَّمَ استقالته ليصنع أزمة سياسية وفراغاً دستورياً بالبلاد، ثم لما وجد أن القوى السياسية بصدد سد الفراغ عَدَلَ عن استقالته؛ بهدف خلط الأوراق مجدداً، والدفع بالبلد إلى أتون أزمة سياسية/ أمنية، ثم اللجوء إلى الخارج واستجلاب العُـدْوَان السُّعُـوْديّ الأمريكي على البلاد، فأي أمن وأي استقرار يمكن أن يتحقق في ظل قيادة سياسية يتزعمها عبدربه منصور هادي؟.
كما دعا “إعلان الرياض” إلى استعادة الأَسْلحَة والمعدات المنهوبة وتسليمها إلى الدولة، في إنكار جلي لحقيقة الواقع المعاش بالـيَـمَـن، فالجيشُ واللجانُ الشعبية باتوا الحارسَ الأمينَ للدولة بدفاعهم عن سيادتها واستقلالها، وبانتصارهم المرتقَب على العُـدْوَان ستغدو الفرصة سانحةً لإعادة بناء الجيش وطنياً وفقاً لمخرجات الحوار، وبما يصون مكتسبات الشعب، ويثبت دعائمَ الدولة التي كان هادي وزمرتُه يعملون على تفكيكها وإعادة هيكلتها بما يؤدي إلى تقسيم البلاد تحت عنوان الأقلمة والدولة الاتحادية.
بالإضَافَـة، فإن مطلبَ بسْط سلطة الدولة على كافة الأَرَاضي الـيَـمَـنية مسألة مفروغٌ منها، لكن هل من الممكن لمَن فروا هاربين خارج الوطن، ولم يجدوا شبراً واحداً يحتضنهم، أن يستعيدوا السلطة التي خسروها، ثم يبسطوا نفوذ الدولة كما يتوهمون؟.. أليست دولة ثورة 21 سبتمبر 2014، الأجدر والأقدر على مهمة كهذه؟!.
تناقُضُ إعلان الرياض لا يقف عند حد معين، فهو إذ يطالب بإيقاف (عُـدْوَان قوى التمرد)، حقناً للدماء، وللوصول بالـيَـمَـن إلى بر الأمان، كما يزعم، فإنه يتجاهل أن أيادي عملاء الرياض أنفسهم ملطخة بدماء الـيَـمَـنيين، فهم من أفشل الحلول السياسية التي كانت مطروحةً على طاولة “موفنبيك” قبيل العُـدْوَان السُّعُـوْديّ الأمريكي، وهم أَيْضاً من استغاث بالخارج الذي لم يرقب في الـيَـمَـنيين إلاًّ ولا ذمة. وحتى عندما طالبت بعضُ الدول بهُدنة إنْسَـانية لإنقاذ وحقن الدماء الـيَـمَـنية كان عملاء الرياض في طليعة الرافضين لهذا المطلب المحق والمشروع!!.
ليس ذلك فحسب، فالمؤتمرون الذين لم يروا في الـيَـمَـن مشكلةً سوى ما يسمونه بمليشيات الحوثي أغمضوا أعيُنَهم عن خطر القاعدة وداعش والجماعات الإرْهَـابية المتصلة بهما في الداخل والخارج، ولم يتطرقوا من قريب أَوْ بعيد إلى سقوط حضرموت بيد المليشيات الإرْهَـابية المسنودة من التحالف السعوأمريكي، واكتفوا بالحديث عن ضرورة تجنيب الـيَـمَـن أن تكون مقراً لجماعات العُنف والتنظيمات الإرْهَـابية، والهدف ليس من أجل ضمان أمن واستقرار البلاد، كما قد يتصور البعض، وإنما لضمان “أن لا يكون الـيَـمَـن مصدراً لتهديد أمن الدول المجاورة واستقرارها”، وبالطبع ليس المقصود بالدول المجاورة سُلطنة عمان مثلاً، وإنما السُّعُـوْديّة وبقية دول الخليج التي تتزعم العُـدْوَان الهستيري على الـيَـمَـن!.
ذروةُ التناقض أن يطالبَ هادي وزمرته عبر إعلان الرياض بإقرار مبدأ المساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرب، متناسين أنهم لا سواهم- باتوا مطلوبين للعدالة بتهمة الخيانة العظمى وارتكاب جرائم حرب موثقة بالصوت والصورة، وبرسم منظمات حقوقية محلية ودولية تعمل جاهدة على تقديم دعاوى في المحاكم المحلية والدولية ضد أمراء العُـدْوَان على الـيَـمَـن وأذيالهم من العملاء والمرتزقة!.
الشرعية الدستورية:
مؤتمر الرياض الذي انعقد مع استمرار العُـدْوَان وتمادى في سفك دماء الـيَـمَـنيين وتدمير البنية التحتية، جمع تحت سقفه ثُلةً من الانتهازيين الذين لا هَمَّ لهم سوى الوصول إلى السلطة والتربُّع على عرش النفوذ والهيمنة والتصرف بالثروة، فلم يروا في الـيَـمَـن سوى تلك المنافع التي تبخرت بين عشية وضحاها، فعادوا وقد نزع لباس هيبتهم ليتدثروا بغطاء وهْم “الشرعية الدستورية”، وهم الذين لم يتورعوا يوماً عن انتهاك الدستور والقانون.
ثم إن الشرعيةَ الدستورية مطعونٌ فيها منذ إقرار المبادرة الخليجية التي قيّدت الدستور والسلطة التشريعية للبلاد، ثم لما انتهت الفترة الانتقالية المحددة بسنتين، استمر هادي رئيساً دون إعلان دستوري ينظم المرحلة الانتقالية الثانية/ التي لم تتجاوز مُدَّتُها وفقاً لضمانات مخرجات الحوا سنةً واحدةً، وحتى هذه الفترة كانت قد انتهت في فبراير 2015م، ثم إن الإعلانَ الدستوري المنظِّم للفترة الانتقالية الحالية يستند إلى الشرعية الشعبية في ظل ثوة 21 سبتمبر 2014م، ومعروفٌ أن الشرعية الشعبية هي الطاغية على ما عداها من شرعيات، وهكذا فإن لباسَ الشرعية الدستورية الذي يتلفع به مؤتمرُ الرياض ليس إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
الشراكة الوطنية:
يدعو إعلانُ الرياض” إلى إرساء مبدأ الشراكة والتوافق وفقاً لما ورد في ضمانات مخرجات الحوار الوطني، واتفاق معالجة القضية الجنوبية خلال المرحلة الانتقالية.
ولمفهوم الشراكة الوطنية لدى عملاء الرياض حكايةٌ تستحقُّ أن تروى، فالشراكَةُ –بنظرهم- تقاسُمٌ ومحاصصة للسلطة بين القوى التقليدية ذاتها التي تفردت بالحكم لأكثر من 35 عاماً.
وعندما جاءت ضمانات مخرجات الحوار الوطني، لتؤكد على مفهوم أوسع وأشمل بالنسبة للشراكة والتوافق، فقد عمدت القوى التقليدية بدعم من المخلوع هادي والدول العشر إلى إقصاء أنصار الله وقوى الحراك الجنوبي وشباب الثورة من التمثيل في حكومة الوفاق، كما اتجهت هذه القوى إلى فرض رؤيتها للأقاليم دون مراعاة التوافق حتى مع بعض الأَطْـرَاف السياسية التي كانت جزءاً من الحكومة، كالحزب الاشتراكي الـيَـمَـني، بل إن الإقصاء بلغ ذروته بعيد توقيع اتفاقية السلم والشراكة، عندما استغلت هذه القوى تنازلات أنصار الله بشأن تشكيل حكومة كفاءات وطنية، فإذا بحكومة بحاح تحتفظ بتمثيل بعض الأحزاب (كالإصلاح)، وتتجاهل الأحزاب والقوى الأخرى، مع أن الثورة الشعبية كانت تطالب بتمثيل أنصار الله في الحكومة بنسبة لا تقل عن 50%، على غرار ما حدث في 2011، عندما تمثلت أحزاب المشترك بالمناصفة في الحكومة، على اعتبار أنها ممثلةٌ لقوى الثورة السلمية آنذاك.
مرجعياتُ إعلان الرياض:
أسهَبَ ما يُسمَّى بإعلان الرياض في تعداد المرجعيات التي يستند إليها في مقرراته وتوصياته، فحشد كُلّ ما يعتقد أنه يعزز دور أشياع هادي في مقابل الثورة الشعبية، بدءاً بالمبادرة الخليجية منتهية الصلاحية، وانتهاءً برسالة هادي إلى قادة مجلس التعاون لدول الخليج التي استخدمتها السُّعُـوْديّة كغطاء لتشكيل تحالف العُـدْوَان على الـيَـمَـن. ورغم الحشد الذي تضمن مخرجات مؤتمر الحوار، وقرارات مجلس الأمن، وبيانات الجامعة العربية، وغيرها، إلا أنه تجاهَلَ بشكل متعمد اتفاقية السلم والشراكة التي وقّعت عليها الأحزاب السياسية في 21 سبتمبر 2014، والتي تضمن خارطة طريق لما تبقى من الفترة الانتقالية الثانية، ووفقا لهذه الاتفاقية جرى تشكيل حكومة بحاح التي ما يزال عملاء الرياض يتمسكون بشرعيتها!.
وفوق هذا طالب المؤتمرون باعتبار إعلان الرياض أحد المرجعيات للعملية السياسية في الفترة الانتقالية، مع أنها لا تمثل سوى رؤية متوافق عليها من قبل شخصيات وأَطْـرَاف سياسية يشكلون في مجموعهم طرفاً مناهضاً لثورة 21 سبتمبر، والقوى السياسية المعبرة عنها.
مهام الفترة الانتقالية:
لأن مفاعيلَ ثورة 21 سبتمبر 2014، قد كبحت جماح المشروع السُّعُـوْديّ الأمريكي الرامي إلى تقسيم الـيَـمَـن، فإن عملاءَ الرياض لا يرون حلاً للمشكلة الـيَـمَـنية إلا من خلال إعادة صياغة الدولة في إطار ستة أقاليم غير قابلة للتعديل، والمدخل: دعوة الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات مؤتمر الحوار لمناقشة مسودة الدستور وطرحها للنقاش العام والاستفتاء. علماً أن مسودةَ الدستور نصَّت بوضوح على دولة اتحادية من ستة أقاليم.. وهنا بيت القصيد!.
على أن ثمة مشكلةً في الهيئة الوطنية ذاتها، فهي لم تشكل بُعَيْدَ مؤتمر الحوار على النحو الذي ورد في ضمانات مخرجات الحوار نفسها، وقد اعترض على طريقة تشكيلها غالبية القوى السياسية، بما فيها بعضُ الأحزاب الملتئمة في مؤتمر الرياض. كما إن إعادة تشكيل الهيئة كان ضمن بنود اتفاقية السلم والشراكة، التي رفض هادي الالتزام بها وعمل على الضد منها. وبطريقة التفافية حاول هادي تمرير مسودة الدستور بما تضمنه من مشروع للأقاليم سيئة الصيت، لولا أن اللجانَ الشعبية أحبطت هذه الخطوة في حينها.
مهام أخرى:
– طالب المؤتمرون باستكمال تنفيذ النقاط الـ 20 والـ11 (المتعلقة بالقضية الجنوبية)، وفقاً لجدول زمني محدد، مع العلم أن النقاط الـ20 كانت ضمن مطالَبَ متوافق عليها بين القوى السياسية منذ 2012، وتضمنت معالجات للقضية الجنوبية وقضية صعدة. وقد ماطل هادي في تنفيذها على مدى ثلاث سنوات.
– دعا المؤتمرون إلى الشروع في توفير الشروط اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وقد كان هذا المطلب مطروحاً بقوة قبيل الانتهاء من الفترة الانتقالية الأولى، لكن هادي ومَن معه مارسوا غوايةَ التمديد دون خجل أَوْ وَجَل.
– أشار إعلان الرياض إلى مطلب غريب يتضمن التعجيل بعودة الأمور في محافظة صعدة إلى ما كانت عليه قبل 2004، وتجاهل المؤتمرون أنه لم يعد ممكناً العودة بالـيَـمَـن- وليس صعدة فقط- إلى ما قبل 2011، ثم أن صعدة في الفترة التالية لثورة 11 فبراير وحتى بداية العُـدْوَان شهدت انتقالةً نوعية لا تقارن بما قبل 2004.
– إعلانُ الرياض أكّد كذلك على (حق الشعب في تقرير مكانته السياسية وفق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية)، وهذا مطلَبٌ يشير ضمناً إلى الاعتراف بحق تقرير مصير الجنوب.. وهذه مقدمةٌ لشرعنة انفصال وتقسيم الوطن، دون مراعاة لحقوق ورأي عامة الشعب في الشمال والجنوب.
– خاطَبَ عملاء الرياض عبر بيانهم المؤسسات المالية الدولية بوقف التعامل المالي والديبلوماسي مع ما يسمونه (مليشيات الانقلاب) في العاصمة صنعاء، ومراقبة التحويلات المالية للـيَـمَـن.. وهم بهذا يقدمون أنفسهم كجزء رئيسي من مخطط وسيناريو حصار وتجويع الشعب الـيَـمَـني برمته.
وفي السياق طالبوا أَيْضاً بدعم وتنظيم (المقاومة الرسمية والشعبية تحت القيادة الشرعية في كافة المناطق)، ما يعبر عن سوء منقلب، وخاتمة مأساوية لنخبة سياسية، باتت تتصرف كقيادة لمليشيات إرْهَـابية، وكأمراء حرب مأجورين، يعملون لصالح من يدفع أكثر!.
والمضحك المبكي في الأخير أن إعلانَ الرياض طالب بضمان عدم عودة منظومة الفساد والتخلف والاستبداد مجدداً.. وكأن الرياض هي عاصمة التقدمية والديمقراطية، وكأن المؤتمرين المرتزقة هم عنوانُ النزاهة والحداثة!!.
التعليقات مغلقة.