صنعاء سيتي – اخبار محلية
للعام الرابع على التوالي، وبرغم تعرضهم لأَكْبَـر عدوان يشهَدُه العالَمُ اليومَ، يستقبلُ اليمنيون ذكرى المولد النَّبَـوِيّ الشريف، على صاحبه وآله الصلاة والسلام، بحفاوة لا نظير لها في العالم الإسْـلَامي بأكمله، مجسّدين بذلك معنى كلامَ صاحب المناسبة الشريفة الذي قال ـ وهو من لا ينطق عن الهوى ـ: “الإيْمَـانُ يمان، والحكمة يمانية”، احْتفَاءٌ تمتد جذوره المتينة إلى عُمق تأريخ الإسْـلَام، إذ يمثل وفاءً مُستمراً لعهد الأجداد – “الأنصار”- الذين تحتفظ لهم سيرة النبي الأعظم بدور استثنائي، حاولت القوى الطارئة على التأريخ والدين طمسه وإغراقه بآلاف النصوص والفتاوى التي “كفّرت” و”فسّقت” الاحتفالَ بالمناسبة، وحشدت كماً كَبيراً من الأعذار والتضليلات لفصل الأحفاد عن أجدادهم، ولفصل “الإيْمَـان” عن “اليمن”.. ولكن يأبى اللهُ إلا أن يُتِمَّ نورَه.
مثَّلَ احتفالُ اليمنيين بمناسبة المولد النَّبَـوِيّ الشريف، علامةً فارقةً في تأريخ المناسبة على مستوى العالم الإسْـلَامي منذ فترة ما قبل العدوان، فالحشودُ التي أحيت المناسبة في المحافظات اليمنية آنذاك كانت استثنائيةً وغيرَ مسبوقة، إلا أن مجيء العدوان، ضاعَفَ درجة الاستثنائية وصقل العلامة الفارقة أَكْثَــرَ لتُصبحَ امتيازاً خاصاً باليمنيين فقط، فبينما توقع الآخرون أن ظروفَ العدوان ستلغي الاحْتفَاءَ الشعبي بالمناسبة أَوْ ستضعف التفاعل معها على الأقل، رفع اليمنيون مستوى الحضور أَكْثَــرَ وبنسبة متزايدة كُـلّ عام، الأمر الذي أثبت أن مناسبة المولد النَّبَـوِيّ في اليمن شيء يتعلق بصميم “الهُوِيَّـة” وَالعقيدة الإيْمَـانية اليمنية التي لا يمكن الانسلاخُ منها.
لذلك، لم يستطع التوسعُ التكفيري الذي حقّقته الوهَّابية السعوديّة في اليمن على مدى عشرات الأعوام، بالأموال والسلطة الفاسدة، أن يصمد كَثيراً أمامَ انفتاح اليمنيين على هُويتهم الأصيلة، فبمُجَـرَّد أن ارتفعت القيودُ وبدأ البابُ ينفتحُ لإقامة احتفالات المناسبة، باتت ذكرى الثاني عشر من ربيع الأول هي المناسبةَ الأَكْثَــرَ شعبيّةً في اليمن، وتبخرت جهودُ التكفير وفزاعات “البدعة” التي ظل الوهَّابيون يكرّسونها بجهد كبير، ومن الطبيعي أن تتبخر الأفكار الطارئة بسرعة أمام الأسس الأصلية.
لقد حاول العدوانُ منذ بدايته إنعاشَ ذلك الخطاب التكفيري الوهَّابي، وضاعفَ الجهودَ إلى أقصى مستوى لإيصاله إلى الجميع، وأضاف إلى ذلك التهديد المباشر والملموس لحياة اليمنيين، إذَا لم يستجيبوا لذلك الخطاب الذي يعتبر كُـلّ من يحتفل بمناسبة المولد النَّبَـوِيّ ضحيةً مشروعة سواء باسم الدين أَوْ باسم السياسة، إلا أن كُـلّ ذلك ارتد بأثر عكسي، وازدادت الحشودُ المُحَمَّـدية اليمنية منذ العام الأول للعدوان بنِسَبٍ كبيرة،؛ لأَنَّ العدوانَ ببساطة لم يستطعْ استهدافَ هُوِيَّـة اليمنيين، على الرغم من كُـلّ الجروح التي فتحتها سكاكينُه وصواريخُه في أجسادهم.
وأمام ذلك الفشل، لجأ العدوانُ إلى محاولة تشويه تفاعل اليمنيين مع مناسبة المولد النَّبَـوِيّ، من خلال الادِّعاء بأنها “استعراضات سياسيّة” بغية تلويث طهارة الاحتفال بالمناسبة لتنفير الناس؛ خدمةً للمشروع التكفيري الذي فشل في ذلك عبر خطاباته الدينية المشوهة، ومع ذلك، حقّق فشلاً جديداً فالسياسة في مفهوم الحشود اليمنية المحتفلة بالمولد النَّبَـوِيّ لا تشكل شَيئاً خارجاً عن “المشروع النَّبَـوِيّ” الذي كان لليمنيين الدورُ الأَبْـرَز في إقامة “دولته” منذ فجر بزوغها.
هي فزاعةٌ جديدةٌ يحاولُ العدوّ وضعها في طريق اليمنيين ليمنعهم من إحياء المناسبة ـ تماماً كفزاعات “البدعة” التي وضعها خلال العقود الماضية ـ إلا أنها لا تستطيع مواجهةَ لهُوِيَّـة اليمنية الخالصة التي يشكل الإيْمَـان فيها “ديناً ودولة” ولقد تجلّى ذلك بوضوح في قلب المعركة مع العدوان، إذ نسمع ونرى بوضوح كيف يشكل الإيْمَـان الدافعَ الأساسي للمقاتلين الذين ينكلون بجنود العدوان ومرتزقته لأجل دينهم واستقلال بلدهم على حَـدٍّ سواء.
وقد ظهر ذلك أَيـْـضاً بشكل واضح في مضمون كلام قائد الثورة في خطابه بأول مناسبة للمولد في ظل العدوان، حين قال إن اليمنيين سيواصلون المعركةَ “جيلاً بعد جيل” من منطلق الهُوِيَّـة الإيْمَـانية المُحَمَّـدية التي ترفضُ الخضوعَ وتتوقُ للحرية والاستقلال.
اليوم، وبعد أربعة أعوام من العدوان والحصار والتكفير والتخويف، يرى العدوّ اليمنين كما لم يَرَهم من قبلُ أَبـَـدًا، ومن مختلف التيارات السياسيّة والدينية وشرائح المجتمع، يهتفون في أَكْثَــرَ من 7 ساحات كبرى بصوت واحد “لبيك يا رسولَ الله”، وهو التفاعلُ الأوسع مع المناسبة على مستوى العالم وفي التأريخ، وهو الامتيازُ الأخصُّ الذي شرف به النبيُّ أهلَ اليمن، وهو الاندثارُ الأَكْبَـرُ للوهَّابية التكفيرية بكل وجوهها السياسيّة والدينية.
التعليقات مغلقة.