الدرس الثالث من دروس رمضان
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
كل الآيات التي سمعناها أيضاً تتحدث عن بني إسرائيل، والموضوع يبدو من سياق الآيات هو بني إسرائيل. واقعهم بشكل عام وأكثر ما يبرز في نفس الآيات، أول الآيات التي سمعناها قبل من عند قول الله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) تضمنت نعما هي: نعمة هداية، ونعمة الهداية هي تنعكس في نفسيات الناس، في سلوكهم، في رؤاهم، في مواقفهم، في تصرفاتهم. تكون حكيمة في بنيتهم الاجتماعية بشكل عام، كمجتمع قوي، ومجتمع حكيم، ومجتمع يشكل نموذجاً ينعكس في كل مواقفه وتصرفاته هدى الله.
من ضمن الآيات السابقة {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة:53). في البداية، أو تكون ربما في مراحل متقدمة كان يظهر مثلا ً كيف يحصل فيما يكون مجرد مخالفة، ثم يحصل توجيه لموسى ويحصل آية إلـهية مثل: رفع الطور فوقهم فيذعنون ويرجعون، تمادوا في هذا الموضوع: كفر بنعم الله سبحانه وتعالى، عدم تقدير لها بالشكل المطلوب، عدم التزام وتوجه واهتداء بنفس الهدى، فهنا برز في نفسياتهم، في سلوكهم، في مواقفهم أشياء غريبة جداً فيما تضمنته الآيات هذه، أي يلمس الإنسان – على أساس أن قصص القرآن – وهو فعلاً قضية بهذا الشكل – أنه قصص ليكون عبرة – كيف كان هدى الله متكاملاً، وكيف كان الناس الذين لم يقدروا هذا الهدى حق قدره، ولم يتفاعلوا معه ولم يستجيبوا. كيف كانت النتيجة بالنسبة لهم في واقعهم؟! حتى أنه في الآيات هذه عرض فيما يتعلق بنفسياتهم في الأخير، بنفسياتهم، فأول عبرة: أن تفهم بأنه الإنسان هو من جهة نفسه، هو الذي يؤدي بنفسه إلى أن يصل إلى هذه الحالة السيئة. لا يوجد تقصير من جهة الله على الإطلاق ولا من جهة أنبيائه على الإطلاق.
العبرة الثانية: أن يحذر الناس، أن يحذروا لأنه أحياناً قد يكون التمادي في التنكر لهدى الله أو عدم الإهتمام به، عدم التقدير له، يؤدي في الأخير إلى وضعية سيئة جداً، و أعتقد أن المسلمين يعيشون فيها بكل معانيها.
من القيمة الهامة للهدى الذي أنزل إليهم وجاء به موسى كتاب وفرقان وأساس الهدى وتربية للمجتمع يقول لهم أنه كان الكتاب والفرقان مرتبطاً بموسى، موسى يمثل العَلَم لهم يمثل: معلم، وقائد، مربي، موجه. هم يتفهمون وينطلقون على أساس توجيهاته بدون أخذ ورد. ما حصلت هذه. لاحظ كيف كان موقفهم في قضية واحدة، في قضية [البقرة]؟! هدى الله لا يصنع أناساً على هذه النوعية أبداً أعني: أنه يتضح لك كيف يحصل الخلل لأن الله سبحانه وتعالى يقول بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهي نفس المسيرة، ونفس الطريقة الواحدة التي عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد، وعند عيسى، وعند موسى، وعند إبراهيم، أنهم يهدون الناس، ويعلمونهم الحكمة، ويبنونهم مجتمعاً متماسكاً متوحداً كلمته واحدة، موقفه واحد، انطلاقته واحدة. حصل خلل كبير جداً لديهم! هذه الظاهرة السيئة عندما قال لهم موسى في قضية هم بحاجة إلى أن يكتشفوا من هو الذي ارتكبها، قتيل قتل في ظروف غامضة جداً وأصبحوا هم يتدافعون المسألة، [هم قتلوه آل فلان أو ربما آل فلان]: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}(البقرة: من الآية72) كل واحد يدفع عنه ويتهم طرفاً آخر.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67) أسلوب الأنبياء تجد كيف الأنبياء أشخاصاً حكماء، هم حكماء يعرف نفسيات أصحابه، وكيف وصلت الحالة بهم! كان يكفي من موسى أن يقول لو أنهم كانوا قد وصلوا إلى مستوى[جيد] دع عنك [ممتاز] جيد، أنه كان يكفيهم من موسى نفسه توجيه معين أن يقول لهم موسى: اذبحوا بقرة فيتحركون، هو يعرف كيف واقعهم وكيف نفسياتهم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} أمر إلهي مباشر {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67).
أساس تربية الأمم أنه لا يأتي بنبي بعد نبي على طول تاريخ البشرية، قد يكون مرحلة فيها نبي يمكن أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ} لأمة من الأمم، في مرحلة لا يوجد نبي، والأمة متربية على الحالة هذه تحتاج إلى شخص يقول: إن الله يأمركم في موقف معين، هذا لا يتم، الأمة تتربى بطريقة تصل فيها إلى أن يكفيها توجيهات مباشرة من جهة الأنبياء أنفسهم، ثم من جهة ورثة الأنبياء.
أيضاً يكفيهم بأنه، ليست مسألة يكفيهم، أعني: يكونون هم تربوا هم تربية وفهموا القضية على هذا النحو فيكفيهم أوامر من الجهة التي يعرفون بأنها جهة هدى، لا، هنا احتاجوا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (البقرة: من الآية67) كيف كان الجواب؟ {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}(البقرة: من الآية67). ماذا يعني نذبح بقرة؟! ماذا يعني بقرة؟!.
إذاً هنا لم تكفهم الفترة الطويلة تلك أن يعرفوا أن موسى رجل حكيم! الشخص الحكيم لا يأمر بأشياء ليست حكيمة, لا يأمر إلا بأشياء حكيمة، ومن ورائها حكمة، ولغاية مهمة، وإن بدت في الصورة وكأنها تصرف غير طبيعي مع أنه هنا لم يكن تصرفاً غير طبيعي، تشبه نفسية الذين قال عنهم في أول السورة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً}(البقرة: من الآية26) {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} ماذا يعني نذبح بقرة! أليسوا يذبحون بقراً، ربما كل يوم يذبحون بقراً لكن لا، استغراب! هذا أول خلل، ماذا يعني أول خلل؟ ظاهرة من مظاهر الخلل لديهم، في أنهم لم يهتدوا بهدي الله.
كان الشيء الصحيح لمجرد أن يريد منهم أن يذبحوا بقرة، أن يأمرهم موسى نفسه مباشرة: [اذبحوا بقرة] وبدون أخذ ورد، يتجهون إلى بقرة يذبحونها؛ لأن الأمر واضح في القضية. فعندما يقول: بقرة يعني: أيَّ بقرة، معناه: أيَّ بقرة، لكن لا. {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(البقرة: من الآية67) لا يمكن أتخذكم هزواً لا يمكن أعمل أوامر! مع أنه هنا يقول لهم: {إِنَّ اللَّهَ} معناها: أيتخذنا الله هزوا! أليس معناها هكذا في الأخير؟ ما كفاهم بأنه قال: {إِِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} لاحظ كيف هذا وحده من المظاهر السيئة، عندما يكون المجتمع، أو أمة من الأمم تهتدي بهدي الله الذي يوجد حكمة لدى الناس، ورؤية حكيمة، وفهم ومواقف مبادرة، لا يوجد فيها أخذ ورد، قالوا بعدما قال لهم: {بَقَرَةً} أليس كلمة بقرة تعني: أي بقرة، مثلما تقول لشخص: نحن نريد أن تبحث لنا عن [كبش] عندنا ضيف، نريد تبحث لنا عن [كبش] أليس سيعرف أي واحد، أن المطلوب أن يبحث عن كبش أيَّ كبش؟ ليس بحاجة أن يقول: ما لونه، ما هو، ومن أي نوع، وأشياء من هذه.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}(البقرة: من الآية68) قد قال: بقرة من البداية، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ}(البقرة: من الآية68) ليست مسنة، ولا هي فتيّة، متوسطة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}(البقرة: من الآية68) أليس هذا أمراً آخر؟ بعد أول سؤال أعطاهم مميزات معينة: بقرة متوسطة في السن {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} (البقرة: من الآية68). {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69) ما لونها؟ نحن نعيش الحالة هذه، لا نضحك على بني إسرائيل لوحدهم حقيقة؛ لأنه نعيش نحن المسلمين والزيدية نحن بالذات الذين نقول: أننا الطائفة المحقة والمتمسكين بأهل البيت، وبالثقلين كعنوان لدينا، قضية البقرة ما تزال موجودة، نأخذ عبرة من هذه، ونأخذ دروساً من هذه.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}(البقرة: من الآية69) من البداية {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}(البقرة: من الآية69) يكفيهم أن يسألوه هو شخصياً؛ لأن ربهم قد اختاره لهم هادياً ومرشداً ومعلماً وموجهاً. هنا ألست ترى وتلحظ أن موسى نفسه لا يقدرونه حق تقديره هو كرسول من عند الله؟ فتكون القضية هذه انعكاس لتقديرك لما يأتي من عند الله عندما تعرف بأن الله لن يختار شخصاً إلا وهو بالشكل الذي فعلاً مؤهل لأن يقوم بالدور على أكمل وجه.
{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}(البقرة: من الآية68) {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69)! عادة البقر لا تكون ملونة بشكل كبير، عادة البقر تختلف عن بعض الحيوانات الأخرى، ترى البقر والغنم في الغالب لا يكون القطيع الواحد، هذه حمراء، وهذه صفراء، وهذه بيضاء وهذه خضراء، وهذه غبراء وهذه.. لا، الغالب أنها تكون متقاربة اللون لا يوجد هنا في واقع القضية ما يكون مبرراً لأن يتساءلوا يقولون مثلاً: قطيع البقر، أو السوق فيه بقر لكن هذه حمراء وهذه صفراء وهذه بيضاء ألوان متميزة، تبدي على سوق من البقر أو قطيع من البقر تجدها متقاربة يكون إذا هناك لون متميز يكون نادراً وشاذاً. إذاً لا يوجد ما يوجب اشتباه على الإطلاق.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ}(البقرة: من الآية69) من البداية {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ}(البقرة: من الآية69) ألم يقل هناك: {بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}(البقرة: من الآية68) وهنا أيضاً: {إِنَّهُ يَقُولُ}لم يعد موسى إلا مثل [المِظْهِر]. لاحظ ذلك الذي يأتي في السوق واحد يظهر، يبلغ الناس نيابة عن شخص، يقف ويتكلم [يقول لكم الشيخ فلان على أن كذا كذا..] والشيخ يتكلم من هناك، وهو يأتي يكلم الناس بما قال له الشيخ.
أساس المسألة أعني: لاحظ أن هنا خللاً كبيراً جداً لأن الأمم تربى في عصور الأنبياء بالشكل الذي لما بعد الأنبياء أيضاً، لما بعده، لا تحتاج إلى أن يكون أمامها نبي يوحى إليه، فضلاً عن أن تكون مع وجود النبي تحتاج إلى أوامر إلهية مباشرة في لون بقرة، سن بقرة, تشخيص بقرة! فالنبي لا يأتي لعصره فقط. لا. النبي يربي أمة، ويرشد أمة، ويثقف أمة لتكون مستبصرة و حكيمة, قابلة لأن تستمر في دورها وتتقبل قيادات هي امتداد له، للنبي؛ لأن الأنبياء يموتون. أمة مثل هذه معناه تريد لها نبياً باستمرار وعلى اتصال مباشر!.
{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69) هنا يبين لنا نسبة لونها: هل صفراء وردية، أو صفراء فاقعة، أو صفراء طبيعية, لأن اللون الواحد كأنه أيضاً درجات. {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}(البقرة: من الآية69) ألم يبين هنا جواب موسى في الدرجة هذه؟ حاول أنه يقدم لهم، يشخص القضية بشكل كامل {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}(البقرة: من الآية69) لم ينفع {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية70) هم بقر هم، في الواقع، عندما يصبح الناس بقراً تكون الأمور متشابهة عليهم، والأمور معماة عليهم ولا يفهمون ولا يسمعون ولا يفقهون.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}(البقرة:70) نحن على استعداد أن نلتزم بيِّن لنا هذه المرة فقط! يعني: عسى إن شاء الله نحصِّل البقرة هذه المطلوبة! هو من البداية المطلوب بقرة أيَّ بقرة يذهبون من السوق يأخذونها أو من عند أي فلاح من أطرف بيت ويذبحونها.
{وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ} عسى أننا سنجد البقرة المطلوبة ونذبحها. {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ}(البقرة: من الآية71) بقرة، لم يسنوا عليها، ولا استخدموها في حراثة الأرض {مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا} (البقرة: من الآية71) ليس فيها عيوب ولا فيها خلط من الألوان – كما يقولون – {لا شِيَةَ فِيهَا} ليس فيها عيوب، وفي نفس الوقت لا يوجد فيها ألوان أخرى، على لون واحد. هنا أليست البقرة بدت نادرة أكثر؟ كلما زاد السؤال كلما جاءت القضية بشكل نادر أكثر.
هذا مؤشر، مؤشر خطير بالنسبة للناس، إذا مثلاً موقف معين لم ينطلقوا فيه قد يبلون بأصعب منه، ما انطلقوا، قد يعاقبون بأن يقحموا في أصعب منه، وهكذا.
في موضوع الجهاد يوجد مثل لهذا: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}(الفتح: من الآية16) لم يرضوا يتحركوا أن يقاتلوا أناساً عاديين مثلهم تخلفوا جبنوا, ما كان الموضوع بالنسبة لهم؟ أعني ماذا كانت النتيجة بالنسبة لهم، للمخلفين؟ أن يُقحموا بطريقة لا بد منها واحدة من اثنتين: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا}(الفتح: من الآية16) أليس هذا أمراً صارماً؟ ليس لديكم مجال من أن تطيعوا وتتجهوا فعلاً لقتالهم وقدهم {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وهم كانوا يهربون من أناس عاديين {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}(الفتح: من الآية16) {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(الفتح: من الآية16) بينما العكس متى ما اتجه الناس في قضية، في موقف، هي تبدو سهلة فليفهموا بأنه عندما ينطلقون في هذا السهل يكون بالشكل الذي يسهل العسير فيما بعد، يأتي تدخل إلهي تكون انطلاقتهم في هذا الموضع يعينهم على ما هو صعب فلا يبقى حتى ولا صعب بالشكل الطبيعي، انطلاقتهم في تلك القضية التي تبدو سهلة تساعدهم على أن تبقى القضايا الأخرى تكون أسهل من واقعها, أسهل من واقعها فعلاً.
{قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية71) وهو حق من أول كلمة قال لهم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67) ألم تكن حقاً كافياً؟ {الْآنَ} يعني: من الآن جئت أنت بالحق! سوف يعتبرون أنفسهم أيضاً أنهم عباقرة وأذكياء، كيف أنهم استطاعوا أن يستخرجوا من موسى تشخيصاً كاملاً للحق! والآن هو رأى الحق، الآن عرف الحق الآن، وأعطانا الحق، {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}(البقرة: من الآية71) لو يوجد لديهم مجال حول البقرة لوضعوا المزيد من التساؤلات لكن قد انتهت التساؤلات لم يعد لديهم شيء، وإلا باعتبار طبيعتهم لو أنهم وجدوا شيئاً لوضعوا المزيد، وربما أن بعضهم يفكرون في نفس الوقت ماذا يمكن أن يقدم من تساؤل حول البقرة المطلوبة! {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}(البقرة: من الآية71) {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة:72-73).
ثم إنهم في الأخير اشتروا البقرة هذه كما يذكر المفسرون اشتروها وبثمن غالٍ جداً، وهذا الشيء المحتمل، الشيء المحتمل: أنه فعلاً لا يحصلون عليها إلا بثمن غالٍ؛ ولأنه كلما ظهر التساؤل من جانبهم كلما قدمت البقرة تبدو نادرة، نادرة صاحبها يرى في الأخير ما كأنه يوجد سوى هذه البقرة، ربما قد يصلون إلى بقرة لا يوجد غيرها ويتحكمون كيفما يريدون فيها.
ذبحوها وكأن الهدف من الموضوع ليس معناه من أجل أن يأكلوها، لا. القضية: هناك قتيل في وسطهم، وقد تدارؤا فيه وقريبه يتهم آخرين فالموضوع كيف يعملون؟.
إذاً المسألة هذه فيها عبرة كبيرة بالنسبة لنا، وتعطي طمأنة بالنسبة لصراع الناس مع بني إسرائيل، في مجال صراع الناس مع بني إسرائيل. لاحظ كيف القضية: كان بالإمكان أن يأتي وحي من جهة الله سبحانه وتعالى يخبر بالقاتل من هو ولا يقول بقرة ولا شيء، ألم يكن بالإمكان هذا؟ لكن القضية هنا يوجد شخص واحد مقتول، الشخص الذي قتله دبر لأن يقتله في ظروف غامضة، أي كانت خطة محكمة محاطة بسرية تامة.
تجد هنا الآية توحي: بأن الله سبحانه وتعالى يهيئ أن يكون هناك ما يكشف من الواقع لا يكون هناك حاجة إلى وحي إلهي مباشر في نفس كشف القضية. إذاً هنا ذبحوا البقرة، وضربوه بشريحة من هذه البقرة، قالوا: إن هذا المقتول قام فعلاً وأخبر بقاتله، يأتي بعدها: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}(البقرة: من الآية72).
بنوا إسرائيل وصلوا إلى حالة بالنسبة لنفسياتهم، أصبحت نفوسهم سيئة فعلاً. حصل لديهم خبث، حصل لديهم نظرة سيئة بالنسبة لباقي البشر، ونظرة سيئة بالنسبة لله! لهذا حكى الله عنهم في مواضع أخرى في القرآن الكريم كيف كان فيهم جرأة على الله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}(المائدة: من الآية64) {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}(آل عمران: من الآية181). ألم يحكِ الله هكذا عنهم؟ هم في واقعهم لا يزال لديهم نوع ذكاء، وخبث وجرأة في التخطيط، هم عندما يجتمع لهم عداوة للناس، للبشر، كراهية، قلة خوف من الله، ينظرون إلى الله وكأنه واحدٌ منهم لا بد أن يتأقلم معهم، وينفذ الخطط التي يعملونها! وقدرة على التخطيط هذا معناه: أنهم سيضرون بالبشر بشكل رهيب، فكأنها سنة إلهية بالنسبة لهم: لا يتوفر لهم التخطيط بالشكل المحكم تماماً بحيث لا ينكشف {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ} بعبارة اسم الفاعل التي تعني وكأنه سنة لديهم: أن يخرج ما تكتمونه {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}.
عندما تنظر والقضية هنا تبدو قضية محدودة يعني: هناك شخص واحد قتل، وخطة دبرت في ظروف كانت ناجحة هذه الخطة، و كان ضحيتها شخص واحد قتل.
إذا كانت هذه المسألة كلها لكشف ما كتموا ولكشف هذه الخطة فافهم بأنه تقريباً بالأولى أن تكون سنة إلهية: أن يكشف للمتأملين، للمتوسمين، للمتفهمين، للمهتمين، أن يكشف الخطط التي قد تكون ضحاياها شعوب، ضحاياها العشرات من الناس، المئات من الناس، ضحاياها دين، ضحاياها مقدسات، ضحاياها أشياء كثيرة جداً، قضية ملموسة هذه، ملموسة فعلاً على أرض الواقع في زماننا هذا فضلاً عن غيره.
قضية التفجيرات في أمريكا هذه خطة خبيثة جداً، ولا بد أنها صيغت في ظروف دقيقة؛ لأنهم بحاجة قصوى إلى أن تكون سرية تماماً، سرية تماماً؛ لأنها خطة لو تنكشف داخل أمريكا لكانت خللاً كبيراً عليهم هم، داخل أمريكا نفسها فضلاً عن بقية العالم، خطة محكمة ليبنى عليها مبرر وذريعة لضرب الشعوب الأخرى، واجتياح الشعوب الأخرى، واحتلالها تحت عنوان: [إرهاب، مكافحة إرهاب]!، تنفذ الخطة هذه. تجد كيف أحيطت بهذه: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} من البداية أعني: عندما يكونون هم مخططين تماماً لا بد أن تبقى ثغرات تفضح، لا بد أن تبقى ثغرات تفضح لكن تفضحهم أمام من؟ أمام من هم عارفين لهم من نفس القرآن، أمام من يعرفون ويتأملون ولديهم اهتمام أن يعرفوا، تهمُّهُ القضية أن يعرف، أما لذي ليس عنده اهتمام سيكون هو ضحية للتضليل، ولو هناك مؤشرات تكشف.
تهاوى البرج بطريقة يدل أن هناك تفجيرات داخلية، تضرب الطائرة هناك في برج رفيع في طابق رفيع وترى تفجيرات من أسفل! هذا ليس طبيعياً أن يكون بفعل الطائرة فيهوي ذلك البرج بكل طوابقه، كم طوابق فيه تهوي تراها أمامك وهي نازل وهي ما زالت سليمة هي يعني: أن هناك من تحت تفجيرات، رجال الإطفاء – يقولون عنهم – الذين ذهبوا إلى الموقع يسمعون تفجيرات داخلية.
كل مرة وظهر شيء يكشف، يكشف ما يكتمون في هذه الخطة الخبيثة حتى فعلاً قالوا: إنه أصبح تقريباً عند العرب أذكر مرة في استبيان يتحدثون عنه في مقابلة أنه تقريباً ربما قد يكون 90% يعرفون أن هذه القضية كانت مدبرة داخلياً. كتبت عنها الصحف، فضحوا، في الأخير فضحوا، يفضحون على يد [كاتب فرنسي] من بعد فترة، يفضحون بعد شهر تقريباً بأن يحصل حادث مشابه وهو حادث طبيعي لم يعد هناك ترتيبات من داخل، طائرة في [إيطاليا] تصطدم ببرج أصغر من البرج ذلك نفسه وما أدت إلى سقوطه، ولا سقوط الذي جنبه، طائرة صدمت في طابق أثرت على طابق أو طابقين، ومحله ما تأثر المبنى، ما بالك أن يتأثر المبنى المجاور له!.
هناك برجين أو هي ثلاثة تهاوت كلها بطائرة! لو أن الطائرات المدنية تستطيع أن تعمل هذا العمل وتترك هذا الأثر، وخزان من الوقود يترك هذا الأثر لما احتاجوا بأن يصنعوا قنابل نووية ولا صواريخ ولا شيء يكفي طائرة تصدم بها في أي مدينة وتفجر المدينة طائرتين ثلاث تحطم لك واشنطن بكلها! لا. {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. فالناس عندما يكونون متأملين سيتلمسون الأشياء التي تفضحهم في مخططاتهم.
العملية هذه توحي بأنه قضية فضح، أو قضية أن يكون هناك ما يدل، أو ما يكشف نوعاً مّا مخططهم لا يحتاج إلى أن يكون من الأنواع الغامضة، الغامضة، المسألة هنا في كشف العملية كانت بقرة يضربونه ببعضها أليس هذا شيء سهل؟ يعني: أن الله سبحانه وتعالى لرحمته بعباده يهيئ أن يفضح هؤلاء بأشياء تبدو طبيعية، وعادية، بل قد ترى في ملابسات الحادث نفسه هو، في شكلية الحادث هو يكون يحمل ما يفضح أنه مدبر داخلياً، أنه مدبر من جهتهم هم، أي لم يحتج هنا قضية نادرة يبحثون مثلاً عن [مرارة نمر] تكون على نوع معين، ولون معين, متى يمكن أن يتصيدوا لهم [نمر] ومتى سيحصلون على ذلك النوع المطلوب، هنا قضية قريبة التناول. أي أن الله سبحانه وتعالى يفضح ويخرج ما يكتمون بأشياء لا تحتاج تكون معقدة لا تحتاج ربما إلى تحقيقات دقيقة جداً، وخبراء في التحقيق، حتى يطلعوا لك النتيجة.
حصل هذا في السفينة التي فجرت في [عدن] رتبوها خطة من أجل أن يلصقوا باليمن بأن هناك فيه إرهاب وإرهابيين، إذاً نحن بحاجة إلى أن ندخل ونكافح الإرهابيين هؤلاء! أي أن نحتل.
التفجير نفسه نسيوا هم أنه قد يكون التفجير عندما يكون من داخل ستفتح فتحة خارج ألم ينسوا؟ هذه القضية أليست بديهية؟ لكن لا. إذا الله في الموضوع الله يقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}(يوسف: من الآية21) ليس هناك أحد يمكن أن يكون ذكياً أمام الله سبحانه وتعالى على الإطلاق، في الأخير يفضحه بشكل يبدو غبياً في تخطيطه، فعلاً يبدو وكأنه غبي! مع أنهم ليسوا أغبياء، هم في موضوع التخطيط ليسوا أغبياء، فقط إن الله يفضح ويخرج ما يكتمون.
انفجار السفينة، كان انفجار فتحة الحديد إلى خارج، ولكن أحياناً قد يكون هناك أناس بقر من خارج حقيقة تجد اليمنيين أنفسهم بعدما قالوا: بأن هذه كلها تدل على أن التفجير داخلي. جاء الأمريكيون بفرقة تحقيق جاهزة مجهزين كيف يحققون، وكيف يطلعون تقارير عن نتيجة التحقيق قالوا: هذا عمل إرهابي من خارج! في الأخير ألم يظهر مسئولون يمنيون يقولون: نعم عمل إرهابي! أما هؤلاء صحيح يطلعون بقراً، حقيقة.
إن الذي لا يفهم المؤشرات التي تكشف مخططات بني إسرائيل والله سبحانه وتعالى كما لو كان قد تكفل فعلاً بأن يكون فيها ما يفضحها ثم يأتي يوافق معهم، هذا هو الذي يعتبر بقرة لبني إسرائيل. في الأخير لا تدري إلا وقد هم يقولون فعلاً: هذا عمل إرهابي، يعني: إرهابي إنطلق من بلادنا! وينزلون تقريراً من [رئاسة الوزراء] يدونون فيه الأشياء التي يزعمون أنها أحداث إرهابية منها تصوير للسفينة هذه، في نفس الصورة، في الكتاب نفسه، ترى أنت أن الفتحة إلى خارج كيف سيحصل هذا؟ فتحة إلى خارج إلا إذا كان التفجير من داخل. قالوا: عمل إرهابي!. ماذا يعني هذا؟ يعني أن هؤلاء أناس لا يبالون، لا يبالون بهذا الشعب نفسه، بأن يسمحوا أن تمرر ذريعة معينة للأمريكيين هي الذريعة الرئيسية والمبرر الرئيسي لأن يتدخلوا في شأن هذا البلد وأن يحتلوه وأن يتدخلوا في مناهجه ويتدخلوا في إخفاء نسبة كبيرة من القرآن الكريم، فيوافقون معهم.
أي أنهم هنا لو كانوا مخلصين لدينهم، لو كان فيهم رحمة لشعبهم، لو كانوا مخلصين لوطنهم، لم يوافقوا أبداً في القضية هذه التي هم عارفين بأنها تقدم كذريعة، لقالوا: أبداً هذا تفجير من داخل، فلماذا؟ يأتي ليقول: نعم عمل إرهابي، وسلّمنا..!! يسلِّم للأمريكيين وهي كذبة واضحة فعلاً، لكن قد يكون بعضهم جملاً لبني إسرائيل أو بقرة لبني إسرائيل، حقيقة.
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة:73) لعلكم تعقلون، لعلكم تفقهون بأن الله سيخرج كل ما تكتمون وكل ما تتآمرون به. {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}(البقرة: من الآية74) بعد هذه الحادثة التي كانت هي في حد ذاتها آية من آيات الله..آية من آيات الله على أقل تقدير توجد عندهم نموذجاً لقضية البعث يوم القيامة {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى}(البقرة: من الآية73) فيتذكر؛ لأن هذه كانت – قضية اليوم الآخر – من القضايا الأولى التي حذر منها بني إسرائيل، منها في الآيات الأولى قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة:48) {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(البقرة: من الآية74) هذا يكون أثراً طبيعياً من الآثار السيئة التي تكون عند الناس سواء أفراد أو مجتمع أو أمة بكلها، إذا ما هناك استجابة لله سبحانه وتعالى، وعمل بهديه، وتفاعل مع ما يُهْدَوْنَ إليه، فيكون البديل قسوة في القلوب، تقسوا متى ما قسا القلب فإنه لا يعد يتأثر بالمواعظ، ولا يستجيب، وتكون قسوة القلب ينتج عنها هذه التصرفات الخاطئة، وتلاحظ كيف هي في الأخير أشياء رهيبة جداً.
الشيء الطبيعي: أن الإنسان بعدما يشاهد آية من آيات الله أو يسمع شيئاً من هدى الله أن يتأثر قلبه ويلين قلبه {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(الحديد:16) {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ}(البقرة: من الآية74) هناك من الحجارة بعضها ينفع، القلب القاسي لم يعد يقدم شيئاً، لم يعد ينفع بشيء، لم يعد كله إلا خلل، لم يعد ما ينتج عنه إلا ضر.
{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ}(البقرة: من الآية74) أيضاً جعل الحجارة أفضل من تلك القلوب القاسية؛ لأن الحجارة بعضها تسقط وتهبط من خشية الله، يمكن أن الحجر الصماء هذه الصخرة الصماء الصلبة القاسية ممكن تلين وتخشع لله وتهبط من خشية الله، وأيضاً بعضها يتفجر منها الماء ما زال ينفع، لكن القلوب القاسية لم تعد تنفع بشيء أبداً، لم تعد إلا ضر، فهي ليست بالشكل الذي تقبل شيئاً فيخشع أصحابها ولا تكون تصرفاتهم وما يأتي من جانبهم بالشكل الذي ينفع الأمة.
{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية74) هذا فيه نوع تهديد لبني إسرائيل {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} عما تخططون، وعما تتآمرون، وعما تدبرون وعما.. إلى آخره، لها علاقة بالموضوع الأول كلما تعملونه فليس الله بغافل عنه، فما وجدتموه في قضية البقرة ستجدونه في أي قضية أخرى تدبرونها.
بعد أن نقل الصورة هذه التي تبدو فقط صفحة واحدة من صفحات كثيرة من الصفحات التي تكشف واقعهم ونفسياتهم وما وصلوا إليه يأتي الخطاب للمؤمنين: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ}(البقرة: من الآية75) هؤلاء الذين ترونهم كيف كانوا مع آيات الله، مع نعم الله، كيف أصبحوا في واقعهم، وكيف أصبحت تصرفاتهم، وكيف انتهوا إلى هذه النتيجة السيئة: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ}(البقرة: من الآية75) يعرفون أنه كلام الله على لسان موسى، أو على لسان أي نبي من أنبياء الله {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} (البقرة: من الآية75) فهموه أنه من عند الله، فهموا معناه ويحرفونه عندما يقدمونه للآخرين، {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية75) أليست هذه جرأة شديدة جداً؟ ليست قضية طبيعية أبداً، فهل هؤلاء فيهم طمع تطمع فيهم أنه يمكن أن يؤمن لك، ويستجيب لك، ويقبل منك، يؤمن لك، يسلّم لك، ويؤمن بما أنت تريد أن يؤمن به؟!.
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(البقرة:76) {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}(البقرة:77) بعد ما أكد بقوله أنها قضية مستبعدة، على أقل تقدير ليست قضية تطمع فيها، والمسألة تكون أن تؤدي شيئاً كمسؤولية، هذا شيء تؤديه كمسؤولية، أن تبين، أن تدعو. لكن قد تأتي قضية أخرى، هي: قضية الطمع في الطرف الآخر أنه قد يستجيب، وقد يؤمن لك، وقد يتقبل منك.
الموضوع الأول ضروري عمله: الدعوة، التبيين لأي طرف مهما كان وإن لم يكن فيه طمع، وهذا أسلوب قرآني. أليس هو هناك يقول لهم: أن يؤمنوا، يدعوهم إلى أن يؤمنوا؟ موضوع أن تطمع أحياناً يكون الطمع في طرف معين بأنه سيستجيب ما زال يعتبر شيئاً يشكل أملاً وتتفاعل أكثر. هؤلاء، بنوا إسرائيل ليس هنا مطمع فيهم أنهم سيؤمنون لكن لا بد أن تدعوا وأن تبينوا لهم.
أحياناً إذا كان يوجد طمع ينعكس في مواقف الإنسان، في تصرفاته أشياء يتجنبها أي: هو معروف أن تكون طامعاً في جهة يكون ما يزال معك فيها أمل ستقول: [يا أخي ما هو وقت ليس بالطريقة هذه ما زال هناك أمل عسى أنهم] هذه في الأخير تنعكس في ماذا؟ في رؤية معينة حول تصرفاتك أنت في مواجهتهم. إذا كنت أنت فاهماً هؤلاء ليس هناك طمع أن يؤمنوا، لا يوجد طمع فيهم أن يؤمنوا، لكن أُدع وبين بالطريقة العادية والطبيعية، ولكن لا يوجد مطمع بالنسبة لبني إسرائيل. حتى عندما يأتون يبحثون عن موضوع سلام من بني إسرائيل، عندما يكون عندهم أنهم يحصلون على سلام من عندهم في الصراع مع إسرائيل ومع أمريكا، لديهم طمع عسى أنهم سيقبلون، عسى أنهم سيلتزمون باتفاقية معينة بيننا وبينهم، عسى أن… لا، هذه تقطع الأمل.
وفعلاً قدم في آيات أخرى بأنه أصبحت هذه لديهم سلوكا معروفا: نقض المواثيق. {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية100) لا يوجد فيهم مطمع. إذاً فلا تثق، لا تكن بالشكل الذي يحصل عادة عندما تكون طامعاً في جهة ينعكس أثرها على تصرفاتك معهم ولا تكون بالشكل الذي تثق بهم هم، أو تأمل من ورائهم أن يتقبلوا منك شيئاً، لا يوجد فيهم طمع، لا تثق بمعاهدات معهم.
ولهذا لاحظ: هو حصل فعلاً في الإسلام معاهدات، ومواثيق حصل مثلاً في مراحل في صدر الإسلام، في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مثلاً اتفاقيات معينة أو صلح معين على أن لا يعملوا كذا وأن لا يتآمروا وأن لا.. لكن القضية مرتبة، هناك فارق كبير جداً ما بين المواثيق والهدن والصلح الذي كان يتم في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبين ما يحصل بينهم وبين العرب الآن، هناك فارق كبير.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرف طبيعة هؤلاء الناس سيعمل معهم معاهدة، هدنة معينة، لكنه مجهز نفسه عندما ينقضون سيضربهم ليس المعنى أنه عندما يدخل معهم في صلح أنه واثق بهم. لا، هذه قضية أخرى، قضية أن واقع بني إسرائيل هم على هذا النحو: إذا واحد تأمل بأنه كيف كان هناك تعامل متميز معهم في تاريخ الإسلام في الصدر الأول ليس على أساس أنه مُقِرٌ لهم على ما هم عليه، ولا من منطلق أنه يثق فيهم عندما يدخل معهم في صلح، أو معاهدة، أو هدنة، أو أي شيء من هذه أبداً، إنما هذه في نفس الوقت تجعلهم أمام واحدة من اثنتين: إما أن يكونوا أناساً يتقبلون ويندمجون في المجتمع المسلم ويذوبون فيه ويسلمون، أو متى ما ظهر منهم النقض الذي هو الشيء الطبيعي عندهم، فيكون معناه أنهم فتحوا على أنفسهم الثغرة لِيُضْرَبُوا.
العرب الآن يدخلون معهم في مواثيق ومعاهدات ويكون عنده أنهم صادقين لم يعد يحسب أي حساب، هو ليس في موقع مجهز لنفسه متى ما نكثوا يضربهم فتراهم في الأخير يصيحون، يصيحون ويقولون: [هذا يضر بعملية السلام، هذا أثَّر على عملية السلام, هذا مؤثر على المعاهدات والإتفاقيات] وفي الأخير قالوا: [خارطة الطريق, وسيؤثر على خارطة الطريق، هذا يؤدي إلى إخماد خارطة الطريق, إلى إبطال خارطة الطريق] وأشياء من هذه!! لعب بهم بنو إسرائيل لعبة فعلاً، لعبوا بالعرب لعبة رهيبة، يدخل معهم في معاهدات وعنده أنهم صادقين ثم في الأخير تنعكس على مواقفهم.
لاحظ قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ}(البقرة: من الآية75) هذا الطرف الغبي، الطرف الغبي فعلاً الذي لا يعرف بني إسرائيل متى صار عنده أمل قد أصبح يسمع من بني إسرائيل، هم مكَّارون، هم مضللون يصدقهم عندما يقولون: [أنه احتمال ندخل معكم في هدنة واتفاقيات سلام ومواثيق ويهمنا أن يكون هناك سلام وتعايش سلمي] فيعود هذا على أصحابه الذين يجاهدون ويقاتلون ليقول لهم: اقعدوا، اسكتوا] ويقوم بضربهم؛ لأن لديه طمع، هنا أليس طامعاً؟ هو طامع في بني إسرائيل أنه سيدخل هو وإياهم في ماذا؟ في اتفاقيات سلام، ويستقر، ولا يوجد حاجة لقتالهم! في الأخير يقسو على أصحابه على الذين يجاهدون، وفعلاً هذا حصل في فلسطين بشكل عجيب، [السلطة الفلسطينية] يخادعها الإسرائيليون وظنوا فعلاً أنه سيدخل معهم في سلام، وتنتهي القضية! إذاً أولئك الذين هم مزعجون [حماس والجهاد] وتلك الحركات المجاهدة؛ ثم يرجعون عليهم بقسوة، ويعيقون أعمالهم، ويقتلون منهم، ويسجنونهم ويسلمونهم للإسرائيليين في بعض الحالات؛ لأنه قد أصبح لديه طمع أنهم سيصدقون!.
لا، القضية هنا لا يكون لديك طمع فيهم على الإطلاق، أن يبني الناس أنفسهم على أساس معرفتهم لبني إسرائيل، يمكن متى ما جاءت مرحلة معينة رأوا هم، هذا الطرف، ليس على حسب إملاءات بني إسرائيل: أنه يأتي هدنة، يأتي صلح ويكون هو مجهز نفسه بالشكل الذي يعرف أنه احتمال 100% أنهم ينكثون لكن اتركهم ينكثون لتضربهم، لأنه متى ما نكثوا عهداً، متى ما نقضوا ميثاقاً أصبح مبرراً واقعياً ومبرراً إعلامياً، ومبرراً منطقياً أن يُضْرَبُوا.
الآن هؤلاء الذين يحاولون يمسكون الأشخاص الذين يرفعون التكبير في المساجد [الموت لأمريكا والموت لإسرائيل] أليس هذا تصرفاً قد يكون ظاهر فيه واحدة من هذه الحالات؟ يعني ماذا؟ طمع أنه إذا سكّتنا هؤلاء وتركنا للأمريكيين كذا، وقبلنا لهم هذا المطلب، وقبلنا هذا المطلب ووافقنا على هذه الحاجة التي يريدونها أنه يعني في الأخير ماذا؟ سنسلم شرهم ونهدأ! رجعوا على أصحابهم يمسكونهم! أليست نفس الطبيعة؟ طبيعة [عرفات] طبيعة [السلطة الفلسطينية].
الله يقول للمسلمين: لا يكن لديكم طمع فيهم، في أنهم يؤمنون لكم، في أن يفوا معكم، في أن يكونوا ملتزمين بأي ميثاق أو عهد يقوم بينكم وبينهم، في أن يقدروا لكم شيئاً تعملونه أنتم لهم على أساس يرضون عنكم، قال الله في آية أخرى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) لاحظ لو أن لديهم رؤية قرآنية لعرفوا كيف يتصرفون من البداية مع اليهود، لكن لا يوجد رؤية قرآنية لذلك تراهم في الأخير يكون تصرفهم قوي مع الحركات المجاهدة لليهود، الواعية، الفاهمة لنفسية اليهود وطبيعتهم.
لاحظ القصة العجيبة التي تبين لك أنه الناس الذين يكونون جريئين إلى الدرجة هذه: أن يحرفوا كلام الله سيحرفون أي شيء تقدمه إليهم؛ ألم يحصل هذا في قضية العراق عندما قدم ملفاً كاملاً عن أسلحته وعن برامجه التسليحية، ألم يقوموا بخطفه هم؟ اختطفوه وفعلاً غيروا فيه حتى أصبح ظاهراً بأنهم غيروا فيه فعلاً قبل أن يوزعوه لدول أخرى، ويعيدوه إلى [مجلس الأمن] أو إلى [الجمعية العامة للأمم المتحدة] غيروا فيه. الإيرانيون سلكوا نفس الطريقة أي قدموا هم أيضاً تقارير قدموا أشياء عن برامجهم إلى [الوكالة الدولية] واحد من الأمريكيين يتكلم قبل أسبوع قال: قدموا بعض، أي: الإيرانيين قدموا بعض، أي: أن هناك مطالب، لا تنتهي هذه المطالب.
أولئك يتصرفون معهم على أساس أن عندهم أمل، أو عندهم طمع: أن يؤمنوا لهم! هؤلاء أناس ليس فيهم مطمع أن يؤمنوا لكم على الإطلاق.
إذاً، العنوان هذا، أو القضية هذه تحتها تصرفات كثيرة جداً، إما تصرفات خطأ – عندما لا تكون فاهم بأن الله قال عنهم، بأن ليس فيهم مطمع أن يؤمنوا لكم – أو تصرفات إيجابية عندما تكون واثقاً بهذه: أن هذه طبيعة لديهم ثابتة، فإذا كانوا يحرفون كلام الله سيحرفون كلامك، كلام أي دولة، كلام أي حزب {مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ}(البقرة: من الآية75) ليس تحريفاً على أساس أنهم إنما يتحدثون بما فهموه، يتحدثون بما فهموه فتكون النتيجة في الأخير ماذا؟ أنهم لم يعرفوا الموضوع فعبروا عنه خطأ، لا. إن القضية من أصلها أنهم هم ينطلقون متعمدين للتحريف.
{ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية75) تجد في هذه أيضاً مظهراً سيئاً من مظاهر عدم الاهتداء بهدي الله، ألم يتضح هناك قضية في مواقفهم من خلال البقرة، ومن خلال ما سيأتي من آيات أخرى، من خلال موقفهم أيضاً مع آيات الله التي هي هدى، وكيف أنه قد يقسو قلب الإنسان حتى يصبح لديه جرأة بدل أن يستفيد من كلام الله، ويهتدي به، ويخشع قلبه، ينطلق لتحريفه تحريفاً واضحاً أي من بعد ما عقله وهو يعلم!. هذا أثر سيئ جداً من آثار عدم تقبل الهدى من البداية.
انطلقوا بدل أن يكونوا دعاة إلى الإيمان، مؤمنين حقيقة، ودعاة إلى الإيمان الحقيقي، ويؤمنون بما يأتي من عند الله سبحانه وتعالى؛ أصبح الإيمان لديهم وسيلة خداع وتضليل: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية76) من أي معرفة، من أي شيء معين، قد يكون فيه ما يمثل شهادة للمسلمين بأن هذا الدين، وهذا الكتاب، وهذا الرسول هو حق. قد يكون هذا الشيء في كتبهم مثلاً أو سمعوا من بعض علمائهم أو بعض أحبارهم.
{لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ}(البقرة: من الآية76) لاحظ كيف نظرتهم لله: خداع مع الله في نفس الوقت! يعني: فعلاً أنتم قد تقدمون للمسلمين شيئاً يعتبر فعلاً شاهداً من داخل كتبهم، أو على ألسنة بعض أحبارهم: أن هذا نبي حق، ويكون في الأخير حجة للمسلمين يوم القيامة عند ربكم! {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}(البقرة: 76 -77). لأن هذه قضية فيها سر، فيها إظهار إيمان ويسرون أنها عملية خداع وتضليل، يسرون إلى آخرين بأنه: أنتم لا تتحدثوا عن هذا، وهذا، وهذا، أمام المسلمين. الله سبحانه وتعالى يقول: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}(البقرة:77).
تجد فعلاً على الرغم من حرصهم الكبير جداً على أن لا يكون لديهم لا في كتب تاريخ، ولا في كتب دينية لديهم أي مؤشر يعتبر مبشراً بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، وشهادة بأنه النبي المذكور في كتبهم. ما استطاعوا أن ينسفوا هذه تماماً، بقي، بقي أشياء كثيرة داخل كتبهم بعد تحريفها، {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}(البقرة:77). فلن يستطيعوا أبداً أن يصلوا إلى درجة أن لا يبقى أي مؤشر على نبوة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) بل تجد أنهم هم، وعندما تقول هم أي: الجيل الذي كانوا في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن الله حكى عنهم: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}(البقرة: من الآية146) من أين هذا؟ أليس معناه أن هناك يوجد في كتبهم، ما زال هناك في كتبهم، في تراثهم أشياء ما تزال علامات.
أحياناً الأشياء هذه قد تكون في وضعية وهذا شيء عجيب بل تجده فيما كان من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) داخل الأمة هذه يصبح هذا الشيء محاطا بقضية بحيث أنه لم يعد بالإمكان إزاحته على الإطلاق، إما أن يكونوا قد اعتمدوا على تأويل معين، أحياناً بعض التأويلات تشكل حماية لنص معين، بعض التأويلات يكون أصحابها معتمدين عليها، لكن متى ما ظهر الواقع الحقيقي لذلك الشيء فإنه سيغلب كل التأويلات، وإذا به يظهر أكثر انسجاماً مع النص مع المؤشر لم يعد هناك انسجاماً بينه وبين ما قد أولوه به. وهذه القضية عجيبة، لتبقى الحجة قائمة.
تلاحظ مثلاً لدينا كأمثلة على هذه [حديث الغدير] أليس حديث الغدير يلامس أخطر قضية لدى الآخرين في كونه نصاً في موضوع ولاية الإمام علي عليه السلام؟ أي: أنه الولي للأمة من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله). أعني هو من الأشياء التي لديهم حرص شديد على أن يزيحوه نهائياً، فلا يبقى له أي ذكر، ولا يبقى له أي وجود في أي مرجع من مراجعهم، ولا أي تداول في الأجيال المتعاقبة.
قد يكون شيء معين، تأويل معين لديهم أنه قال يعني: [من كنت محبه فهذا محبه] اعتمدوا على التأويل هذا، ألم يعتمدوا عليه؟ هذه شكلت حماية، تشكل حماية للنص، أعني: أن بعض التأويلات التي يعتمد عليها أصحابها يكون أحياناً فيها مؤشر تدخل إلهي لحفظ النص، هذا النص لم يعد بالإمكان أبداً أن يزيحوه، لأن القضية هامة، وحجج الله سبحانه وتعالى وآياته فواصل في القضية.
هذا التأويل يمكن أن ينسف، ليس بالشكل الذي يمكن أن يثبت أمام دراسة الحادثة، حادثة الغدير، وقضية الغدير، أبداً لا يمكن، لهذا يتبخر أمام واقع القضية.
كذلك ما كان عند بني إسرائيل من أشياء موجودة في كتب: [العهد القديم] التي يسمونها أو في كتب: [العهد الجديد] في نفس الوقت قد يكون لديهم تأويل معين. وهذه يذكرها أحد الكتاب المسيحيين الذين أسلموا بعد قال: [يكون هناك نص معين وعندهم يوجد تأويل سائد في أوساطهم، تأويل سائد لديهم] يأتي ما يكشف هذا الواقع هنا ويبين أنه هو حقيقة هذا النص، لا يمكن أن يكون هذا هو الواقع الذي ينسجم معه الشيء هذا الذي يؤولونه به نهائياً. الله سبحانه وتعالى يعلم ما يسرون وما يعلنون، وكيف سيكون موقفهم من المؤشر الفلاني، من الدليل الفلاني، لا يسمح أبداً في القضايا التي تعتبر أساسية وهامة أن يزيحوها.
معك مثلاً فيما يتعلق بالأمة هذه [حديث الثقلين] حديث ثابت تجده في مراجع الحديث عند الكل، ويصححه المحدثون، أو منهم منشغلون بالتصحيح والتضعيف جيلاً بعد جيل [حديث الغدير]، [حديث المنزلة] أحاديث قد تكون مثلاً على أقل معدل اعتبرها عشرة أحاديث، لكن هذه الأحاديث هي تعتبر: قواعد عامة، أشياء أساسية، فواصل في القضية، هذه ما استطاعوا أبداً أن يزيحوها، ممكن أحاديث أخرى فرعية يستطيع يقول: هذا نفسه حديث ضعيف فيه فلان وهو أحاديثه منكرة، أو هو يعتبر كذا يتكلمون عليه، لكن أحاديث تمثل حجة تمثل آيات، تعتبر قواعد عامة، تعتبر أشياء أساسية لا يمكن أبداً أن يزيحوها، أبداً، ومتى ما تداولوها هم أثناء التدريس فإنه يقدم ذلك التأويل: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) أي: من كنت أحبه فهذا علي يحبه!. فإذا هو يدرس أحداً في مدرسة، أو في مسجد أو في أي شيء يقدم هذا المعنى عندما يلقى الحديث! سلِم الحديث، سلِم.
هناك بيتان من الشعر للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة تقريباً:
نقول لكم هاتوا لنا الشهد صافياً وقولوا لنا هذا أجاجٌ وعلقمُ
سنشربـه والحمـد لله صــافــياً ونترك مـا قلتم وبالاً عليكم
سنتقبله ونفهم القضية على حقيقتها، ونترك أقوالكم تلك على جنب. هذا يؤكد تماماً عندما يقول الله سبحانه وتعالى في آيات أخرى: بأنهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}(البقرة: من الآية146)، أنه ما يزال في تراثهم، في كتبهم نصوص كشف الواقع أن هذا هو النبي الذي تنطبق عليه تماماً. وهذا ليس معناه أنهم تاركين لها فارغة هناك تأويلات، لكن الحقيقة انكشفت، نسفت التأويلات الأخرى بدت الحقيقة منسجمة تماماً كواقع لنفس النص الذي لديهم بالشكل الذي أصبحوا يعرفون محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه نبي كما يعرفون أبناءهم. قد يكون الكثير من العرب ما وصل إلى الدرجة هذه: يعرف النبي كما يعرف ابنه تماماً، لأنه قد يكون الكثير منهم ليس مستحضراً للمسألة هذه، عرف أنه نبي، لكن هذه تعني ماذا؟ أنها معرفة بالشكل الذي لا يوجد معها أي ريب، ولاشك، فكان موقفهم منه موقف عناد موقف تمرد واضح.
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}(البقرة:78) هذا بالنسبة للأتباع الذين هم أتباع لأحبارهم. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}(البقرة:79). تجد أن الآيات هذه الشيء البارز فيها مظاهر سيئة على مستوى المجتمع، وعلى مستوى المثقفين فيهم، الفئة المتعلمة وحملة العلم لديهم.
الأمة نفسها في ظل وضعية يقدم لها هدى الله سبحانه وتعالى، لا تبقى المسألة عندهم مجرد أماني وظنون، يعطون بينات واضحات لا يقبل منهم إلا التسليم لله سبحانه و تعالى، وهو الشيء المفروض أمام هذه البينات. يتخلصون عن القضية هذه مع علمهم أن الله هو رب العالمين، وأنه يجب التسليم له، وأن ما أنزله هو أنزله لعباده جميعاً؛ لأنه ربهم جميعاً ليكون هدى لهم جميعاً، وعبادته هي حق عليهم جميعاً أن يعبدوه.. خلصوا إلى أن {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) انتقل إلى أن يفضحهم هم في تعاملهم على ما هم عليه مع ما يدّعون أنهم يؤمنون به، ماذا بقي في الأخير؟ نسف لما اعتبروه مبرراً.
لاحظ هنا في القرآن الكريم يأتي في مقابل أشياء من هذا القبيل تعتبر دعايات، أو مقولات، بعضها تكون تشكل خطورة تكون قابلة للتعميم بشكل كبير فمتى ما وجه لفضحها بطريقة دقيقة فيجب على أن الناس أن يكونوا هم متفهمين القضايا التي تشكل خطورة في تعميمها، أن تكون أنت عندك قدرة على فضحها وبهذا الأسلوب. لاحظ كيف كان هذا الأسلوب، وهي قضية منهجية ليس معناه: أنك تنطلق في نفس الموضوع مثلاً الله يقول هنا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91).
هل استمر الحديث معهم في موضوع، [لكن الله هو كذا، ومحمد هو كذا، والأدلة قد قامت على محمد، وقد ثبت على أنه من عند الله] وأشياء من هذه! إنطلق إلى فضحها من خلال معاملتهم مع ماذا؟ مع ما يدعون أنهم مؤمنون به. هنا نقول: إيمانكم رأينا ماذا تجلى عنه: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية93).
هناك دعايات أخرى تأتي داخل القرآن الكريم يحكيها عن آخرين، قد تكون أحياناً ليبين لك بأنهم فكروا أن يقولوا هكذا، وأحياناً قد يعرض عنها يعرض عنها بأي اعتبار كان.
إذاً هذه تلمس بأنها مقولة ساروا عليها، ورسخوها فعلاً داخل اليهود. نحن كنا نسمع عن اليهود هنا في اليمن مثلما قلنا سابقاً بأنهم يقولون: [نبيكم محمد نبي لكم، والقرآن كتابكم، ونحن معنا الذي أنزل علينا لوحدنا]، وأنهم أوصلوا في الأخير – لخطورة المسألة – أوصلوا المسلمين إلى أن ينظروا إليهم فعلاً كأناس هم أصحاب دين، وأصحاب كتاب، وأصحاب نبي لهم، وهذا لنا! أليست هذه خطيرة؟ إنبنى عليها في الأخير، في العصر هذا، بعد أن قدموهم وهم مساوين لنا، قدموهم [معهم نبي، ونحن معنا نبي، معهم كتاب، ونحن معنا كتاب، هم أهل دين، ونحن أهل دين]، ألم يقدموا بهذا الشكل؟ إذاً نؤمن بهم على هذا النحو!.
هذا أثر من آثار المقولة هذه التي رتبوها هم من البداية، ثم في الأخير قبول بهم، قبول بهم! مع أنك تجد القرآن لا يقبل بهم إلا بأن يؤمنوا على هذا النحو الذي قدم، قضية يؤمن بها الناس جميعاً، وهم ليسوا استثناء من الناس، لا هم، ولا النصارى. وفي الأخير قدم الموضوع عملياً بأنه: نثقف نحن لنقبل بهم، نتسامح معهم، وهم يتآمرون! نقبل بهم وهم يرفضوننا، نتسامح معهم وهم يحاربوننا، نقبلهم وهم رافضون! وفي الأخير ماذا؟ نقبلهم أن يتحكموا في تثقيفنا نحن، وأن يحتلوا بلادنا نحن، وهم في نفس الوقت لا نحاول أن نقول لهم: إذاً تعالوا لتؤمنوا بما أنزل علينا بأنه من عند الله. لأن عبارة: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} ليس فيها إقرار بأن ما أنزل على المسلمين، على محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه من عند الله.
لاحظ أليست هذه المغالطة موجودة الآن داخل وسائلنا التثقيفية وبعض علماء من علمائنا، ومثقفين، الذين يكونون في اتجاه الأنظمة الحاكمة الذين يحاولون بأي طريقة أن يقوا أنفسهم شر أمريكا إذا بالإمكان أن تقبل؟ يحاولون يثقفوننا بهذا الشكل: [كلها ديانات سماوية واحدة] كما يقولون.
إذاً هل بإمكانكم أن تأخذوا من اليهود اعترافاً بأن القرآن هو من عند الله؟ وبأن محمداً هو نبي من عند الله؟ وأن الإسلام هو دين من الديانات السماوية؟ هم لا يفكرون في هذا! فقط أصحابنا الذين يحاولون أن يفرضوا علينا القبول بالآخر، والإعتراف بأنه صاحب ديانة مستقلة، لها شرعيتها، وهي مقبولة. لا يفكرون بأنه: إذاً إجعلوهم يعترفون بالإسلام بأنه دين سماوي، يعترفون بالقرآن بأنه نزل من عند الله، ويعترفون بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه رسول من عند الله! لا يعملون هذه أبداً.
فلما كانت هذه المقولة هي مظنة أن تترك أثراً كبيراً سيئاً كان التقديم لها هنا بالشكل الذي أيضاً يفضحها، ويعلم الناس كيف يواجهون مثلها. هذا يؤكد لك فعلاً أن القرآن الكريم هو نزل من عند من يعلم السر في السماوات والأرض الأشياء التي قد تكون مؤثرة يعطيها اهتماماً كبيراً هنا في كيف تفضح، لم تهتم القضية [بالجدل المنطقي] الذي يسمونه، أن تنطلق للبرهنة على أن هذا من عند الله، وقد قال عنهم بأنهم عارفون أنه من عند الله، فقط تفضحهم في هذا، أتركها تظهر بأنهم كاذبون فيها من خلال تعاملهم على طول تاريخهم مع أنبيائهم وما كان ينزله الله عليهم. أليست القضية انتهت إلى فضح لهم؟ {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية93).
تجد أثراً آخر في موضوع النفسية أعني الفارق الكبير بين ما يتركه الإيمان الصحيح الهدى من الله، من طمأنينة لدى الإنسان بحيث يصبح في موضوع الموت، مستهينا بقضية الموت؛ لأنه لا يمثل الموت عنده قضية، يعرف هو على طريق هدى، وعلى طريق حق، الجنة هذه هي غايته. أعني: أن الإنسان يصل إذا كان متفهماً يصل إلى معرفة بأن الطريقة التي هو عليها هي الطريقة التي رسمت لتكون غايتها الجنة، هي الطريقة التي يحظى في السير عليها برضوان الله.
هذه الحالة لا يمكن أن تحصل مع أطراف أخرى مهما حاولوا أن يضفوا على طريقتهم من طمأنينة، أو على نفسياتهم لا يمكن، يحصل حالة من القلق تفضحهم على الرغم من أنهم يدعون أن الدار الآخرة لهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: من الآية111). اليهود يقولون: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، والنصارى يقولون: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً! {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ}(البقرة: من الآية94) كما تدعون أنتم، فالشيء الطبيعي كيف تكونون؟ فالشيء الطبيعي أن لا يكون الموت يشكّل عندكم قضية {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة: من الآية94). هذا يوجه إلى ما يفضحهم وأن هذا الإفتراء ناتج عما تعيشه نفسياتهم من القلق وعدم الطمأنينة {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة: من الآية94).
أسوء من هذه العقيدة، ما حصل عند طوائف من المسلمين أن الرسول سيشفع لأهل الكبائر يوم القيامة وافتروا في ذلك حديث: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي]. أمّنوا بها السلاطين، أمّنوا بها الخلفاء، أمّنوا بها الزعماء فتصرفوا مع عباد الله تصرفات قاسية جداً ظلمت الأمة، ظلمت الأجيال من هذه الأمة على طول تاريخها بسبب عقيدة مثل هذه. [فأنت إعمل ما تريد وإذا أنت تريد أن تحظى بشفاعة وتطمئن نفسك شيئاً ما فقم ببناء مسجد مثلاً أو أي عمل معين] تجد كانوا يقتلون المسلمين ويقتلون أولياء الله ويقتلون الآمرين بالقسط من الناس، ويبني مسجداً!. من أيام بني أمية علماء السوء، علماء السوء يكونون قريبين لهم يُؤمِّنونهم، ويُطمئنونهم، [وهذا حديث صحيح ورواه فلان، ورواه فلان، وعقيدة ثابتة]، ويحاول أن يبحث عن إطلاق آيات معينة، ويحاول أن يجعلها شواهد على هذا، يطمئنه على أساس أن ينطلق في طاعة الله؟ أو ماذا؟ ليستمر على أعماله الإجرامية، فيقتل الناس، وينهب أموالهم، ويصادر حقوقهم على أساس أنهم قد قالوا له: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي].
إذاً لاحظ كيف ينتج عن هذا!. هذه حالة نفسية، يحصل حالة من القلق، ينتج عنها تحريف، بحث عن أشياء يتشبث بها، تقدم في الأخير عقيدة، تستخدم في الأخير لضرب الأمة، لاستمرار من يعتقدونها في أعمالهم الإجرامية ضد الأمة، في أعمالهم هم، في تحريف كتب الله، في ظلم عباد الله.. في الإجرام بشكل عام، ومن أين نتج أن يقولوا هذه: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}(البقرة: من الآية80) لأنهم عارفون أنهم يرتكبون أشياء هي رهيبة، عندما يكونون يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
كل واحد في الأخير يفكر ولو لم يكن إلا عندما يريد أن ينام عندما يكون منفرداً بنفسه ويفكر، لأن هذه قضية ليست سهلة، ينطلق يحاول من هنا، ومن هنا، ينظر كيف يقدم موضوع جهنم، والخلود في جهنم، أو ليس هناك خلود؟ {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}(البقرة: من الآية80) ويطلع له أشياء يتشبث بها واهية لا يعتمد عليها.
الإنسان ليس بحاجة إلى هذه لتكن جهنم خلود لا خروج منها. الله قدم للناس طريقة سهلة تقيهم من دخولها نهائياً. أي: هي أيضاً حماقة كبيرة: أن تسير في أعمال هي في الأخير ستجعلك من أهل النار، ولو أسبوعاً واحداً لو لم يكن إلا أسبوعاً واحداً.
وقالوا: أنهم يقولون: [سبعة أيام] سيجلسون في جهنم أو [أربعين يوماً] على عقيدتهم. لكن ساعة واحدة ليست سهلة في جنهم، يوماً واحداً، أسبوعاً، يعتبر حماقة كبيرة منك أنك تعمل أعمالاً تسجن بها، وتعذب بها في جهنم يوماً واحداً، ليس هناك حاجة للطريقة هذه: أن أبحث لأي شيء من هذا القبيل يؤمنني من ماذا؟ من أن أعمل جرائم، وفي نفس الوقت لن أتعذب إلا عدة أيام في جهنم.
الله سبحانه وتعالى قدم للناس طريقة يسيرون عليها لا يدخلون جهنم، ولا يسمعون حسيس جنهم نهائياً، لكن هكذا المضللون. فتعرف أن الكثير من العقائد الضالة يكون منشؤها حالات نفسية عند أصحابها، يحاول يُؤمِن نفسه قليلاً قليلاً، ويقدمونها للناس كعقائد باطلة. تطور المسلمون فاقوهم فعلاً في هذه! هنا يقول لك: {أياماً معدودة} أصحابنا من المسلمين قالوا: ولا يوماً واحداً! من ساحة المحشر يجرهم بأيديهم ويشفع للمجرمين، وقد ارتكبوا كبائر الإجرام، ويدخلهم الجنة! أليس هؤلاء فاقوا اليهود في هذه العقيدة؟.
والنصارى عملوا نفس القصة [تحب المسيح وتؤمن به وسوف يدخلك جنة أبيه] وقالوا أيضاً هم: [إن الباري ضحى بابنه، ضحى بابنه تكفيراً لخطيئات الناس] تخطئ كيفما تريد، الله قد ضحى بابنه من أجلك لترتكب الخطايا كما تريد! أما هؤلاء فظهروا أحمق، أحمق من اليهود، ومن المسلمين الذين يعتقدون العقيدة هذه، ليس هناك أحد يضحي بابنه لأجل الآخرين ليبقوا على إجرامهم وخطيئاتهم! يمكن أن يعف عنهم دون أن يقتل ابنه؟ أليس هذا ممكناً؟ يتركهم يخطئون! ضلوا فيها ضلالاً متعدداً، يجعلون المسيح ابناً لله، وأن الله هو الذي قتل ابنه، وضحى بابنه من أجل أن يسلم الذين يحبونه مع بقائهم على الخطيئةً! ليس معناه: وهم يتبعونه، وهم يتبعونه أي: ما كأنه جاء برسالة.
أي نبي يأتي برسالة يكون المطلوب هو أن يتبعها الناس لا يحتاج إلى أن يكون عيسى رسولا نهائياً يكون عنده شريعة يقدمها للناس، وهدى يقدمه للناس ليسيروا عليه، ليسلموا العقوبة من الله في الدنيا وفي الآخرة، بل يأتي إليه يتجه يذبحه ليبقوا على ما هم عليه؛ إذا قد آمنوا فقط بأنه ابن الله على ما يقولون، وأنه يؤمن بالمسيح، وأنه ابن لله، ويسير على ما هو عليه من خطأ، من خطأ، من فساد.
هؤلاء لماذا يقدمون للناس ثقافة؟. إذاً نقول لهم جميعاً: أنه لا بأس اعتبرونا مخطئين، نحن مؤمنين بالمسيح، ألسنا مؤمنون بالمسيح؟ عندنا أخطاء. إذاً لماذا لا تطبقون العقيدة هذه علينا، وتسلمونا أذيتكم وشركم، وأنتم تحاولون أن تفرضوا علينا ثقافتكم! إذا كانت ثقافتنا هذه خطأ فأنتم هؤلاء قد قلتم: أن الله قد ضحى بابنه تكفيراً لخطيئات المؤمنين به، نحن مؤمنون بالمسيح بأنه رسول من عند الله سبحانه وتعالى.
نقول للآخرين من اليهود نفس الشيء، نقول للآخرين من داخل المسلمين ماذا تريدون منّا في الأخير؟ تأتون توعظوننا وتعلموننا وترشدوننا من أجل ماذا؟ غاية ما هناك أننا نرتكب كبائر، نحن مؤمنون بما أنتم مؤمنون به، بعناوين الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ألسنا مؤمنين بهذه؟.
إذاً غاية ما هناك أننا على ما نحن عليه حتى عندما نعتقد أن أبا بكر ليس خليفة، حتى عندما نغضب على أبي بكر، أو نتكلم على أي شخص من هؤلاء، اعتبرها كبيرة، عندما تطفح المسألة اعتبرها كبيرة عندك، أنتم هؤلاء قلتم: إن رسول الله سيشفع لأهل الكبائر.
إذاً، أليسوا هم يسدون على أنفسهم الطريق؟ أي: أنهم يغلقون على أنفسهم، لم يعد لهم أي مبرر أن يحاولوا أن يفرضوا علينا أي شيء من عندهم نهائياً لا يهود، ولا نصارى، ولا طوائف من داخل المسلمين.
{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً}(البقرة: من الآية81) بلى، غلط، ليست المسألة على هذا النحو، {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً}(البقرة: من الآية81) مَن، من أي جهة كان، وأي واحد من أي مكان جَمَّع، ما هناك توبة، ما هناك رجوع إلى الله. فالخطيئات بهذا التعبير كأنها أعداء تتجمع عليه، فتحيطه من كل جهة حتى توقعه في الهاوية؟ {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81) أليس هذا جواباً واضحاً؟ يقطع كل هذه الأماني التي لديهم، أصحاب هذه العقائد الباطلة؟ سواء عند يهود، أو عند نصارى، أو عند طوائف أخرى من المسلمين.
{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:81)، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:82) إذاً القضية مبتوتة تماماً بالنسبة للجنة، وبالنسبة للنار، قضية مبتوتة.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ}(البقرة: من الآية83) لاحظ توليهم كيف هو في الأشياء الكبيرة، القضايا الهامة، وفي الأشياء الأخرى حتى الأخلاقيات، حتى الكلمة الطيبة، القول الإحسان {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} هكذا يصبح الإنسان في الأخير تقريباً لم يعد لديه شيء إيجابي يعطيه، ولم يعد لديه شيئاً هاماً يتبناه، ويركز عليه، ويقدمه.
تولي من أول ما يسمعون كلام الله، تولي وهم يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله، تولي وهم يقدمون عقائد باطلة تُؤمِّن المجرمين، تولي في ميدان التعامل مع الناس على هذا النحو: العبادة لله سبحانه وتعالى، الإحسان إلى الوالدين وإلى ذوي القربى واليتامى والمساكين، وقولوا للناس حسنى، وهذه من بديهيات الدين، هذه تعتبر من بديهيات الدين، من الأشياء التي هي أعني في دين الله سبحانه وتعالى بشكل عام وأشياء لا تمثل صعوبة في الواقع لا تمثل صعوبة: قول الإحسان، الإحسان للوالدين ولذي القربى واليتامى والمساكين والقول الطيب للناس، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة.
{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}(البقرة: من الآية83) لماذا؟ كلها اعتبرها نتائج لعدم الإهتداء بهدي الله، تجاوز، عدم تقدير لهذه النعمة العظيمة، حتى في الأخير يصبحون هكذا في واقعهم كل شيء صاروا معرضين ويعملون بالمقلوب في أي مجال هم فيه، وإذا ما يزال لديهم أشياء يحتاجون أن يقدموها فإنما هي في الواقع يكون معها أهداف أخرى لأنه مقامه يفرض عليه، موعظ – مثلاً – موعظ: لاحظ كيف مقامهم يفرض عليهم، وأهداف أخرى لديهم مثلاً ولاءات معينة، مقامات معينة، سياسة معينة لم يتعاملوا مع الناس على قضية أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سيشفع لأهل الكبائر ويسكتون وفي الأخير، يقولون: [إذاً لم يعد هناك حاجة أننا نتعب أنفسنا ونرشد] لا.
سيأتي يثرثر عليك في المحراب حث على الصلاة.. الصلاة.. الصلاة.. الصلاة ماذا يريد من ورائها؟! يجمِّع الناس إلى المسجد ليضلل عليهم ليكسبهم إلى صفّه، ليخدم جهة معينة، أو يصنع له كياناً معيناً، أليس الموضوع يبدو وكأنه برّ، وكأنه عمل صالح؟. لا، القضية أصبحت في الواقع لم يعد هناك حاجة لهذا لا عند يهود، ولا عند نصارى، ولا عند مسلمين يعتقدون هذه العقيدة! لم تعد المسألة إلا مجرد وظيفة، مجرد عمل، لأنه عندما يقولون: هو رجل دين أمامهم [مطوّع] أو عالم، أو من الأحبار، أو من الرهبان، سيحتاج أن يكون معه ممارسات معينة تكون من الدين يقول لهم يصلون، يوعظهم بأشياء من هذه، لا هي من النوع الثقيل، وليست انطلاقته في الواقع إذا كان هو يتذكر العقيدة هذه التي لديه لم تعد انطلاقة مبررة. ماذا بقي هناك من مشكلة أمام هذه؟ إذا قد عند اليهود: بأن الناس لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، أما النصارى فسيدخله جنة أبيه – كما يقولون – والمسلمون لو عملت جرائم كبيرة كيفما كانت أيضاً سيشفع له رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
إذاً ليس هناك فائدة أنك توجههم للأشياء هذه بكلها لأن رؤيتهم هم الدينية، رؤيتهم الدينية، هي مبنية على قضية جنة ونار، فلا تتعب نفسك ولا تعمل لك هيئة أمر بمعروف ونهي عن منكر، وميزانية خاصة لها، ولا مطوعين بمرتبات، ومرشدين بمرتبات يتحركون ويسيرون، ولا تتعب نفسك في مطبوعات وكتب معينة تعلم الناس كيف يعتقدون وكيف يعملون، هذا كله قد صار عبثاً.
لو أن المسألة هكذا في دين الله فلن يكون هناك حاجة إلى أشياء كثيرة من هذه، لو أن الرؤية الدينية كلها تقوم على مسألة جنة ونار، وأن القضية هناك شيء معين يعتبر مُؤمِّن للناس على الرغم مما هم عليه فلن يبقى أي حاجة إلى تعليمات أخرى نهائياً لأن كل الذي يقدمه لك على أساس: أنك تدخل الجنة، وتسلم النار، أليس هكذا؟.
إذاً، قد حسم الموضوع من البداية، لو أنا تارك للصلاة وتارك للصيام على ما تقولون فليس ذلك يمثل مشكلة سأدخل الجنة إذا قد آمنت بهذا العنوان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذا هو البطاقة، بطاقة دخول الجنة لم تعد تحتاج إلى أي شيء آخر غيره.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ}(البقرة:84- 85) أليست هذه مخالفات واضحة لما هم مقرّون به وشاهدون على إقرارهم به؟ {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية85) يتحولون في الأخير على مستوى التفاصيل، متى ما انحرف الناس عن هدى الله، تحولوا في الأخير في تصرفاتهم إلى ماذا؟ إلى ما يكون في الواقع مبني على إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، إيمان ببعض الكتاب عندما يكون إيماناً بأشياء لا تشكل خطورات معينة، أو لها اعتبارات وتعطي قيمة معينة، وكفر ببعض.
هنا لاحظ لأن هناك حالة تجعل الإنسان تكون تصرفاته هكذا! هل في الواقع يوجد هناك في دين الله ما يشكل إحراجات تجعلك تتصرف بهذه الطريقة الخاطئة؟ لا، لكن هنا عندما تفسد النفوس، عندما يتمادى الناس في الإعراض عن هدي الله، تصبح النتائج بهذا الشكل تصبح دائماً بهذا الشكل.
لاحظ كيف أخيراً يتحدث عنها في نهايتها، من البداية تكون تصرفات الإنسان كلها وبال عليه، وبال عليه من أول ما قال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ}(البقرة: من الآية79) ثم تحدث عنهم بأنهم: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية79) {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ}(البقرة: من الآية79) ثم يقول: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}(البقرة: من الآية79) ودائماً يأتي بعدها بالشكل الذي يبين بأنه تصبح نتائج أعمالك كلها وبالاً عليك، وشراً عليك، وخزياً، وفي الآخرة عذاب {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(البقرة: من الآية85). بينما كان السير على هدي الله، والله قد جعل هداه يسراً ولم يجعل في هداه حرجاً، وتكون كل نتائجه طيبة لك، وخيراً لك، وجزاءاً حسنٌاً لك في الدنيا وفي الآخرة.
ما الذي قدم في الموضوع هنا حيث جاء بعده: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}(البقرة: من الآية85). أليست قضية معينة تبدو عادية في قضية أسرى؟ وتظاهر على آخرين، وهو محرم عليهم أن يظاهروا عليهم، محرم عليهم أن يخرجوهم، لكن يعملون هذه، ومتى ما أصبحوا أسرى سلموا فدية لإطلاقهم! هنا ظهر فيها ماذا؟ إيمان ببعض الكتاب، وكفر ببعض، يترتب على هذا التهديد الخطير {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}(البقرة: من الآية85). فكيف في القضايا الكبيرة، هذه القضية هي قضية اعتبرها من القضايا الطبيعية أو العادية، هذا التعامل مع أسرى برز فيه مظهر من مظاهر ماذا؟ إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض. فكيف عندما يكون الناس في واقعهم مؤمنين ببعض الكتاب وكافرين ببعض في قضايا هامة جداً، قضايا العمل لإعلاء كلمة الله، قضايا جهاد في سبيل الله، قضايا مواجهة لأعداء الله، قضية توحد كلمتهم أليست هذه قضايا كبيرة جداً؟!.
فهذه تعتبر مما يبين للناس أن المسألة خطيرة جدا،ً إذا قدمت لك هذه العقوبة الخطيرة في قضية تبدو من القضايا العادية، موضوع أسرى، فكيف بالقضايا الكبيرة؟.
عندما يعرض الناس عن هدي الله في الأخير تصبح هذه النظرة قائمة، يصبح يشعر بحرج، يشعر بالدين هذا عبارة عن جبال أمامه فيحاول يتخلص من هذا، ويحاول ينطلق في هذه، عسى هذه الانطلاقة تكفر عنه تركه للجانب الآخر مع أن الدين ما قدم بهذا الشكل. الله يقول: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}(المائدة: من الآية6) {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة: من الآية185).
فدين الله، هدى الله هو بالشكل الذي يمكن للناس أن ينطلقوا عليه بسهولة، ليست قضية يحتاجون أن يتهربوا منها حتى يظهر منهم مظاهر أو عمل أو سلوكيات من هذا النوع، إيمان ببعض وكفر ببعض. للأسف هذه قد تكون ظاهرة في تعاملنا مع القرآن الكريم! إذا كانوا هم، بنوا إسرائيل – والله اصطفاهم – وتعاملهم قام على هذا النحو مع التوراة، وقدم مثلاً هو من القضايا العادية، موضوع الأسرى، فكيف بالقرآن العظيم، القرآن هذا الكتاب الهام الذي هو مهيمن على كتب الله – كلها – السابقة، كيف عندما يكون تصرفات الناس، أو تعاملهم مع القرآن هو بالشكل الذي فيه إيمان ببعض وكفر ببعض. أي: رفض للعمل به في بعض آخر، وكان هذا البعض من القضايا الهامة والكبيرة في القرآن. أليست هذه تعتبر حالة خطيرة جداً على المسلمين؟.
معنى هذا أنه يجب على الإنسان أن يفهم، ويوطّن نفسه على أن ينطلق بأن يعمل بكتاب الله، وأنه لا تشكل حرجاً في الواقع خاصة في الانطلاقة الجماعية عندما يصبح مجتمعاً ستكون هذه القضية تسهل على الناس بشكل كبير ولهذا قال الله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}(المائدة: من الآية2) قد يكون هناك نوع صعوبة إلتزام في وسط فاسد، مجتمع سيئ، مجتمع فاسد، يبدو أن الإلتزام فيه نوع صعوبة، لكن هنا الله يقول للناس: يهاجرون إلى مناطق أخرى. أما إذا استطاع الناس أن يكونوا بشكل مجتمع فيتجهوا للإيمان بكتاب الله والعمل به فستظهر الأشياء يسر بالنسبة لهم، بالنسبة لهم؛ لأن الجو نفسه يصبح جواً مؤلفاً من مجتمع، الناس فيه يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، ويشدون بعضهم بعضاً، المظاهر الأخرى التي هي مخالفة لكتاب الله، مظاهر فساد، مظاهر المخالفة لكتاب الله تكون شبه معدومة، فسيكون هو بيئة صالحة، الدين فيه سهل أكثر، ينشأ جيل في وسط يساعد على أن ينشأ نشأة صالحة.
إذاً فنأخذ عبرة من هذه أنه إذا كان المسألة خطيرة إلى هذه الدرجة: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(البقرة: من الآية85) كلمة خزي معناها: ذلة، عذاب، مختلف الأنواع، كلمة شاملة مثل كلمة: مرض في قوله الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}(البقرة: من الآية10) الخزي يعني: عذاب مخزي، حالة مخزية، وضعية مخزية وكم أصناف الأشياء التي يصبح الناس معها في وضعية تعتبر عذاب مخزي: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة:86) هكذا أخيراً تأتي النتيجة.
أيضاً يبدل الهدى بأثمان قليلة كما يقول في الآية: {اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً}(التوبة: من الآية9) استبدال للآخرة بالدنيا، يعني: تكون كلها تصرفات بالمقلوب، تصرفات كلها سيئة، ووبال كلها، تمثل خسارة فادحة، تعتبر خسارة فادحة.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}(البقرة:86) عندما تستبدل بدين الله مصالح معينة، أنت هنا اشتريت بآيات الله ثمناً قليلاً أو استبدلت بهدى الله أشياء أخرى باطلة معناه أنك تخليت عن نصيبك في الجنة، تخليت عن الجنة، تخليت عن رضوان الله! أليست هذه خسارة كبيرة؟! أي: نتيجة استبدالهم بدين الله ثمناً قليلاً، مصالح معينة هو أنهم جعلوا هذه الدنيا التي سيعيشون فيها في وضعية مخزية بديلا عن الجنة التي هي مقامات عالية، ونعيم عالي ورضوان من الله أكبر {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}.
كيف مواقفهم أيضاً مع الرسل الذين يأتونهم كمجددين، هل تفترض أنهم عاشوا هذه الفترة مع نبي من الأنبياء كانوا بهذا الشكل؟. لا. أيضاً ظهر من مساوئهم كيف يتعاملون مع الأنبياء الذين يأتونهم من بعد، ومهمة النبي هو: أن يهديهم من جديد، ويعيدهم من جديد إلى طريق الصواب، وإلى السير على هدى الله. وهذا أيضاً مما يبين أن الله سبحانه وتعالى يقيم حججه بشكل كامل، وهي مظهر من مظاهر رحمته. يقول لك على الرغم مما تراهم على هذا النحو السيئ فليس هناك تقصير من جانب الله، هو آتا موسى الكتاب الذي فيه هدى لهم، وأيضاً أتبعه برسل من بعده: {وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}(البقرة: من الآية87) لم يعودوا يستفيدون حتى ولا من الرسل الجدد الذين يأتون في مرحلة هم أحوج ما يكونون إلى الإهتداء بهديهم، وإلى الإصغاء لتوجيهاتهم. لكن لا، وصل بهم الحال إلى أنه إذا جاء رسول لا يتأقلم معهم، يقتلونه، أو يكذبون به، ويموت ولا يكون قد أثر فيهم بأي أثر.
{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}(البقرة: من الآية87) فريقاً من الرسل تكذبونهم، وفريقاً تصل بكم الحال إلى أن تقتلوهم مثلما قال سابقاً: {وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}(النساء: من الآية155) وصلت سخريتهم من منطق الهدى على ألسن الأنبياء منهم، وعلى لسان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يقولوا في الأخير: نحن قلوبنا هذه مغطاة لا يدخل كلامك إليها، لا تتقبل. {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ}(فصلت: من الآية5) في آية أخرى يحكي عن المشركين: قلوبنا هي مغطاة وآذاننا لا تسمعك فيها وقر: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ}(فصلت: من الآية5) يعني: مغطاة مخبية {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:88).
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة:89) هذه الحالات لا تتصورها خاصة ببني إسرائيل، الإنسان إذا لم ينتبه لنفسه من البداية لا يتوقع بأنه ربما في مرحلة أخرى سيهتدي أو ربما شخص آخر سيهتدي به أو.. من الأشياء هذه، متى ما ضل الإنسان فقد تأتي أشياء جديدة وفيها هدى له لا يتقبل، يأتي هداة آخرون لا يعد يتقبل.
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ}(البقرة: من الآية89) ألم يكن الموقف من هذا الكتاب المصدق لما معهم من هذا النبي الذي جاء بهذا الكتاب نفس الموقف الذي كان منهم مع أنبيائهم؟ هذا يعطيك أيضاً بأنه عندما تجدهم كافرين برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما كانت القضية فقط مجرد ردة فعل، لماذا لم يكن منهم، لماذا لم يكن من بني إسرائيل؟ لا، هذا هو امتداد لما كانوا عليه حتى مع أنبياء منهم، رسل منهم {فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}(المائدة: من الآية70).
ما القضية أنه لو كان جاء محمد من بني إسرائيل أنهم كان سيسلمِّون، لا. هؤلاء مع رسل منهم مستكبرون، أعني قد عندهم قضية ثابتة أبرز ما تكون هذه الحالة، هذه القضية يجب أن نركز عليها، من هم الذين يكونون على هذا النحو بشكل بارز؟ هم واجهة المجتمع الذي هو على هذا النحو، منهم؟ أحبارهم، ورهبانهم، الطبقة المثقفة فيهم، عمّار الكنائس، أصحاب المكتبات من تراثهم هم الذين يكونون على هذا النحو! العامة يكونون تبع فقط هم لا يعرفون، هم تبع لهم.
{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ}(البقرة: من الآية87) من الذي يعرف بأن هذا الرسول يأتي بما لا تهواه نفسه؟ كثير من عامة الناس الذين ما يزالون على فطرتهم، أو قريبين من فطرتهم، ما يأتي به الرسل يكون بالشكل الذي يمكن يكون مقبولاً لديهم بشكل كبير، لكن تنطلق الفئة الأخرى، الطبقة الأخرى المثقفة، الأحبار، الرهبان، العلماء، هم ينطلقون يضللون على هذا المجتمع بشكل كبير، ويقفون في وجهه هم. {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}(البقرة: من الآية87) {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ}(البقرة: من الآية89) ويعرفون أنه مصدق لما معهم {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}(البقرة: من الآية89).
لاحظ يوجد آيتان في خلال ورقة جاءت بهذا الشكل الذي يبدو من خلالها الإندماج الكامل ما بين الكتاب والرسول، الوحدة، وحدة ما بين القرآن ومحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هنا يقول: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية89) – وبعده – {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}(البقرة: من الآية89) – يستفتحون بمن؟ بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) – الآية الأخرى فيها: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ}(البقرة: من الآية101) ألم يأت هنا بالكتاب؟ بعد ذكر الرسول جاء هنا بالكتاب وبعده موقف بالرسول، الكتاب والرسول شيء واحد، وحدة لا تتجزأ.
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ} أعني وهم في نفس الوقت هو جاء في مرحلة كانوا قبل يقولون للعرب عندما يدخلون معهم في صراع: [سيأتي نبي وسنقاتلكم معه ونحن منتظرين ذلك النبي نقاتلكم معه] يستنصرون به على الذين كفروا عندما يأتي {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية89) إذاً أليس النبي جاء في مرحلة هم بحاجة إليه، أعني: هم يرون في هذا النبي الذي يأتي مخلص منتظرين لشخص هم يعتبرونه مخلصاً من وضعية، هم كانوا متى ما هزموا أمام الآخرين يقولون: عندما يأتي هذا النبي.
أي: أن عندهم الفكرة هذه هم يعرفون من البداية أن موضوع الخلاص يأتي على أيدي أعلام يصطفيهم الله، هذه ثقافة ثابتة عندهم، لكن هناك خلل عندهم في ثقافتهم، في منهجيتهم، أصبحت بهذا الشكل {جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}(البقرة: من الآية89) وكان المفروض أن يكونوا هم أول مؤمن به، ألم يقل هناك: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}(البقرة: من الآية41) {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية89).
إذاً عندما نقول نحن: [اللعنة على اليهود] أليس اليهود على هذه الحالة؟ أليسوا كافرين بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أليسوا مستمرين على ما كان عليه سلفهم الذين كانوا يستفتحون على الذين كفروا؟ هم كافرين، فلعنة الله على الكافرين.
لأن الخطورة في المسألة، أي أنت قد تلخص القضية في الأخير هي ثقافة تكوَّنت، تبلورت – كما يقول البعض – تكونت تبلورت حتى أصبحت بهذا الشكل، بشكل تشكل عوائق كبيرة؛ لأن الثقافة هي تصنع نفوساً، الثقافة هي تقوم عليها الإنطلاقة، إنطلاقة الناس، مواقف الناس، تصبح هي مقاييس معينة حتى لم يعد يوجد بذرات من هدى الله تجعل النفس فيها نوع تسليم لله، يأتي الشيء الذي قد صار معروفاً تماماً يعرفونه وهم بحاجة إليه من قبل أن يأتي ثم ماذا؟ يكفرون {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية89). هل تستطيع أن تتصور أي مبرر منطقي لهم بأن يكفروا به؟ لا يوجد حتى ولا هذه أن يقول واحد: ربما لو كان جاء محمد من بني إسرائيل لكانوا آمنوا ومستبعد أن يكفروا، وينتشر الإسلام. هنا قدم لك المسألة بأنهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}(البقرة: من الآية87). جاءكم رسول منكم {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}.
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}(البقرة: من الآية90) لاحظ كيف النتيجة تأتي في الأخير: استبدال عن مستقبلك، عن الجنة مثلما ذكر هناك في الآية الأولى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ}(البقرة: من الآية86). في الأخير هو يعني: بيع نفس، يعني: بعت أنت نفسك تماماً بالخسارة، بالسوء، بالعاقبة السيئة، بالخزي، بجهنم، ليس هناك خسارة أكبر من هذه، ولا [دبور] أشد من هذا.
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً}(البقرة: من الآية90) بغياً، بدوافع بغي. لا يأتي البغي إلا في مقابل ماذا؟ بينات واضحة، طرق واضحة، تسهيلات بأن يستجيبوا، وتكون في الأخير إنطلاقة كلها بغي، عداوة، تطلُّب لماذا؟ للكفر، وللخروج على هذا الشيء ورفضه: {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(البقرة: من الآية90) تصبح مجرد مقولة.
ومع هذا تجد أنه مع هذا أي هي في الواقع لا تقول: [أنه فعلاً كانوا ممكن أناساً طيبين كان بالإمكان أن يستجيبوا لو أنه جاء الرسول منهم] لا، بيّن بأنه حتى ولو جاء الرسول منهم أنه هكذا أسلوبهم لكنها مقولة قدموها، وقد يكون في داخلهم ولأنهم قد هيئوا لها بثقافة إنزوائية تقوم على تمجيدهم هم كفئة من الناس، وأنه: [إذاً كيف ينزل الله فضله على آخرين؟! كيف يعطي هذا الفضل العظيم آخرين؟!] يعرفون أن النبوة فضل عظيم، والدين فضل عظيم [فكيف ينزله على آخرين ولا ينزله علينا!] هذا لا يصح معه أن تقول أن هذا منطق واقعي، مقولة داخلهم يوجد في ثقافتهم ما يجعل عامتهم قابلين أن يعمم هذا في وسطهم [لو كان جاء منا كان يمكن نتقبل]. {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(البقرة: من الآية90)، مع أن القضية إذا كانوا مسلمين لله، يجب أن تسلِّم لله، ولا يكون بشروط أن يبعث النبي منا، أن يبعث منهم، من بني إسرائيل.إذا هم مؤمنين بالله، عارفين بأنهم عبيد لله، فيجب أن يسلموا، الحكم هو لله، الأمر هو لله، الإختيار هو إلى الله، الإصطفاء هو إلى الله سبحانه وتعالى.
{فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}(البقرة: من الآية90) غضب متراكم يعني: أشياء يعرفها هنا تمثل خسارة رهيبة، تصرفات كلها خاطئة، عواقب سيئة. ضرب أمثلة تهديداً لهم من نتائج ما هم فيه، كيف هذا يمثل بيع لآخرتهم، بيع لأنفسهم؛ قضية تؤدي إلى أن يتراكم الغضب عليهم، غضب على غضب {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}(البقرة: من الآية90). ونحن باستمرار نقول في القضية هذه مثلاً عندما نمر بكلمة غضب، كلمة رحمة، كلمة حب، أتركها على أصلها في مشاعرك {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} ألست هنا تتصور تهويلا للمسألة؟ تهويلا للمسألة فعلاً.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} أحياناً في كلمة: {عَذَابٌ مُهِينٌ} في بعض العبارات يأتي بكلمة عذاب، لا يكون بالشكل الذي يبين لك بأن معناه: عذاب جهنم، هي عذاب بشكل عام من الدنيا إلى الآخرة، عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة ذكر في آيات أخرى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}(الأعراف: من الآية167) أليست هذه واحدة؟ يكون عذاب مهين، مهين، ماذا يعني مهين؟ يعني يجعلك تحتقر نفسك عذاب يحقرك. لاحظ الأعمال التي تأتي من جانب [حزب الله] و[حركة حماس] و[الجهاد] والحركات المجاهدة، إسرائيل ترى نفسها كبيرة، ومؤثرة، ويأتي هؤلاء يزعجونها إزعاجاً يجعلونها تبدو صغيرة! يُقَزِمُونَها أمام الآخرين! أليس هذا عذابا مهينا؟! مهين، هذا مهين.
أعني: قد يأتي مثلاً هزيمة مع طرف هو نِد باعتبار طاقاته، باعتبار قوته، قد لا يكون مهين، أحياناً يكون طبيعي في الصراع، أنه جهة مع جهة هناك تكافؤ كبير هذا طبيعي، الحرب سجال {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(آل عمران: من الآية140). لكن هذا كبير جداً، وفي المقابل، هذا ضعيف جداً، ووسائل تعتبر بدائية بالنسبة لما معه هو، ويزعجونهم إزعاجاً رهيباً يقلقونهم ويبرهنون أمام العالم بأنه: إسرائيل هذه ممكن أن تضرب، إهانة، عذاب مهين. هذا مظهر من مظاهر عذاب مهين، وفي الأخير جهنم، أما جهنم فالله قد جعلها عذاباً مهيناً لكل من دخلها، وقد يكون هناك عذاب مهين لهم خاص، نعوذ بالله.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}(البقرة: من الآية91) هناك قال: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ} يعني غضب من الله {عَلَى غَضَبٍ} غضب شديد من الله، نعوذ بالله من غضبه، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}(البقرة: من الآية91) أعني: لاحظ الخسارة العجيبة في انصرافهم عن هدي الله وعمل هذه السيئات، هم ومن يكونون على هذا النحو فالنتيجة: غضب على غضب. بينما يذكر فيمن يسيرون على هديه تكون النتائج ماذا؟ رحمة، وحب من جهة الله سبحانه وتعالى، ورعاية، وتكريم، ورضوان.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) هذه مقولة جديدة ظهرت عندهم، وهذه هي نتيجة ماذا؟ نتيجة حالة هم فيها، هذه الحالة التي هم عليها بحسب ثقافتهم السائدة ورؤيتهم، ونفسياتهم، لم يعد يوجد لديهم تقبل أن يقبلوا هذا الدين، هو يفكر كيف يجعل على أقل تقدير يجعل الموضوع ذلك في دائرة هناك، ويجعل نفسه في دائرة مستقلة، يخفف موضوع اللوم عليه على الأقل هذه سادت في أوساط اليهود، حتى يبدو أنها وصلت إلى عوامهم، كان بعضهم هنا في اليمن يقولون لك: [هذا هو نبيكم، محمد نبيكم، نبي العرب، ونحن نبينا موسى].
في آية أخرى يبين: أن هذا من التفريق بين الله ورسله ومن الإيمان ببعض الرسل والكفر ببعض، وقال عنهم: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً}(النساء: من الآية151). أي: أن من يكونون معرضين عن هدي الله، فكل مرة يطلعِّون لهم مقولة، وتكون مقولات متعددة ما بين ما هو دعاية مضادة، وما بين ما هو عقيدة سيئة، وما بين شيء يعتبر في الصورة مبرر لهم في انزوائهم وبقائهم على ما هم عليه، هذه واحدة منها ليكون في الصورة مبرراً داخلياً وأمام المجتمعات: أنهم أصبحوا هم أمة لوحدهم هم على ما هم عليه! ترسخت هذه عند المسلمين في الأخير، حيث صاروا يعتبرون كأنهم أمة يبقون على ما هم عليه، ومعهم أنبياؤهم، ودينهم، وديانات سماوية وهم لهم دينهم، ونحن لنا ديننا، وقد هناك نظرة إليهم كإقرار لهم على ما هم عليه! مع أنها مقولة طلعوها هم لأن موقفهم بدا غير مبرر، موقفهم بدا مخزيا حاولوا يستخدمونها كمبرر حتى لا يلومهم الناس، ويعذرونهم [هم لهم دينهم ومعهم نبيهم وأنتم هذا نبيكم وهذا كتابكم]. عمموا هذه، ترسخت في أوساط المسلمين وهي مجرد مقولة تبريرية.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}(البقرة: من الآية91) الله وهو رب العالمين جميعاً ينطلقون بأن يتشبثوا بهذه {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) حتى ولو كان ذلك الشيء الآخر هو أنزل من عند الله {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ}(البقرة: من الآية91). هذا الشيء الذي يكفرون به وهو القرآن الكريم {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ}(البقرة: من الآية91). أي: هو يكشف الواقع الذي لديهم، الأشياء التي تعتبر مؤشرات على ما هو حق. تجلت هنا أي: صدقت على هذا وهو يصدقها إضافة إلى أنه يصدق ما هناك من حق لأنه دين واحد، والدين الواحد يوجد أشياء تكون أساسية فيه يصدق الدين فيها بعضه بعضاً.
في موضوع آخر التي تسمى: الشِرعة {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}(المائدة: من الآية48) كشرعة معينة لمجتمع معين، أو لأمة في عصر معين لكن متى ما جاء أيضاً نبي آخر يجب أن يسيروا على الشرعة التي يقدمها، لا تقدم في الأخير بأنها ديانات متعددة لأنه يوجد هناك مثلاً شِرعة محددة في أحكام شرعية معينة، في جيل معين، في عصر معين، هذه تكون داخل الدين لأمة واحدة، قد تكون القضية الحكم فيها بالنسبة لك كذا باعتبار وضعيتك، وأنا بالنسبة لوضعيتي التي تختلف مع وضعيتك في اعتبارات معينة الحكم فيها كذا، ما يقال: هذا دين، وهذا دين! لا. إنما يكون الحكم من أساسه قائما على تأقلمه مع اعتبارات متعددة.
هذا يختلف عن موضوع الذي يسمى تفرق في الدين، التفرق: أنه يأتي بالحكم متعدد مع وحدة الاعتبارات، والوضعية وضعية واحدة، واعتبارات واحدة فيقول: الحكم فيها كذا، الثاني قال: لا، الحكم فيها كذا، والثالث قال: لا، الحكم فيها كذا، هذا تفرق.
{قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية91) لاحظ ما أجمل هذه في تعريف الناس كيف يفضحون الآخر فيما قد ظن بأنه مبرر، يسكت الآخرين، أنتم قلتم {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) لكن أنتم كنا نراكم في أنبياء منكم وينزل عليكم بواسطتهم كتب وتكفرون بهم وتقتلونهم {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة: من الآية91). إذاً فهذا إنما هو مظهر من مظاهر كفركم، أعني: هي دعاية اختلقوها أو مبرر اختلقوه وهو يمثل في نفس الوقت مظهر من مظاهر كفرهم عندما يقولون: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}. أنتم غير صادقين، أنتم لا تؤمنون ولا حتى بما أنزل عليكم، تقتلون أنبياء الله.
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة:92- 93) هنا ضرب أمثلة، أو جلّى عدة أشياء تبين بأنهم هكذا في تعاملهم الكفري مع أشياء من داخلهم بواسطة أنبيائهم، و كتب تنزل على أنبيائهم إليهم. هنا يوجد فارق في الموضوع… لاحظ في موضوع الطور هناك ذكر الطور سابقاً عندما رفعه فوقهم، هناك كان مازالوا في مرحلة يبدو مصبوغة بجهالة، ويكون هناك قابلية أحياناً إذا جاء شيء يحاولون يتراجعون، لكن هنا أصبحوا إلى درجة أن يقولوا: [سمعنا وعصينا]، تمادوا.
{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}(البقرة: من الآية93). لهذا نقول: هي محور القضية، وكل هذه الأشياء التي تعتبر سيئة مما عرضت عنهم، وكل هذه الخسارات الكبيرة التي وقعوا فيها نتيجة أنهم لم يأخذوا ما آتاهم الله بقوة. كذلك الآخرون المسلمون أنفسهم عندما لا نأخذ كتاب الله بقوة نصل إلى أسوأ مما وصولوا إليه.
{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}(البقرة: من الآية93). بعد ذلك يأتي أيضاً من النتائج الغريبة قضية يعشقونها، يعشقها الناس نتيجة خروجهم عن هدي الله، قضية باطلة، ثم تحاط بهالة معينة، فتصبح في الأخير قضية أساسية، ويتشبثون بها، ويشربونها شرباً {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}(البقرة: من الآية93) حب العجل {بِكُفْرِهِمْ}(البقرة: من الآية93) يكون هذا نتيجة لكفر، أحياناً الكفر يقدم بشكل ثقافة، ثقافة مزخرفة تجعلك تعشق شيئاً وهو باطل في واقعه يصبح عندك يمثل قاعدة من قواعد الدين وأساساً أو ركناً من أركان الدين، وهو في الواقع باطل.
من أين أشربوا؟ عادة الباطل يحاط بهالة من الزخرفة، ويكون الأول يشرب الآخر، والعلماء يشربون العامة، عندما يحيطونهم بكلام كثير، وهالة، إلى حد أنهم يقولون عندما تشك: كفر. تجد داخل مثلاً [الإثنا عشرية] في مسألة المهدي المنتظر بأنه ولد في عام [255هـجرية] ومن ذلك اليوم إلى الآن موجود كإمام موجود فهذه ماذا؟ أحاطوها بهالة رهيبة، هالة أعني: كلام مزخرف، وأحاديث ومقولات، وتفريعات، وقواعد، لمّا قدمت المسألة أن تشك فيها كفر، لم تعد تجرؤ تشك! فالعالم منهم يكون عالماً متبحراً وكبيراً، ويتعمَّر زمناً كثيراً وتتوفر له وسائل كثيرة لأن يطلع على أشياء كثيرة، لم يعد يجرؤ يشك فيها تقدم كمسلّمة من المسلّمات وهذه من الأشياء السيئة أن الإنسان إذا ما تقبل هو فيصبح يعشق الحق، يعشق الأشياء الصحيحة، ينجذب لها، سينجذب لخرافات وباطل وأشياء سيئة.
ما هو العجل هذا؟ لم يشربوا في قلوبهم حب موسى؛ وكم الفرق بين موسى وبين العجل بالنسبة لهم ألم يكن الشيء الطبيعي أن يشربوا في قلوبهم حب موسى؟ أن يشربوا في قلوبهم حب الله، حب هداه؟ الإنسان لا بد أن يعشق شيئاً، إذا ما تريد أن تعشق شيئاً صحيحاً ستعشق باطلاً.
{قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية93). هذا إيمانكم رأيناه فعندما تقولون هناك سابقاً: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) رأيناه، انظروا إيمانكم هو هكذا، ما أسوأ هذا الإيمان الذي تتمسكون به، إيمانكم أسوأ ما يأمركم به {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}(البقرة: من الآية93) في مقابل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا}(البقرة: من الآية93). تصبحون عاشقين للعجل، وحادثة العجل، وأساطير حول العجل، وكان الشيء الطبيعي ماذا؟ توحيد الله، وحب الله، وحب نبيّه، وحب هداه، تكونون عاشقين له.
ما هو هذا الإيمان! هذا إيمان سخيف إيمان ينتج عنه {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} وتشبث بعجل، وعشق لعجل، بل من العجيب أنه فيما يتعلق بهذا العجل في بعض كتبهم جعلوا هارون أنه هو الذي صنعه! السامري لم يدخلوه في الموضوع في بعض كتبهم في [العهد القديم] حقهم، هجوم على هارون أنه هو الذي صنع العجل هو!.
قد تقدم حادثة العجل بعد باعتبارها نبي من الأنبياء صلَّحها، وهي هناك أساطير، هذه هامة جداً من الناحية المنهجية: أن تعرف كيف تواجه الطرف الآخر – الذي عنده أنه قد فكر وقدر وقدم حاجة و عنده أنه سيفحمك، سوف يصنع لنفسه مبرراً كاملاً، قد فكروا أن أحسن طريقة أن يقولوا: هذا نبيكم وكتابكم ونحن نؤمن بما أنزل علينا – في كيف تقدم المسألة من البداية.
{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(البقرة 94- 96) يقول: أبداً، يتمنى أن يتعمر ألف سنة لأنه يعرف أن المستقبل بالنسبة له مُظلم، مُظلم لأن الطريقة التي هو عليها هي طريقة ظلام مهما حاول أن يُصبغ عليها مبررات، وأشياء من هذه. {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: قل لهم: {إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ لأن معنى هذا أنتم تعرفون ونحن نعرف جميعاً أن الدار الآخرة أفضل من الدار الدنيا هذه، فعندما تدعون أن قد معكم ضمانة عليها وأنكم تسيرون إليها، إذاً فالوجود في الحياة الدنيا هذه هو يعتبر خسارة بالنسبة لكم، والموت يعتبر مفتاح الدخول إلى ذلك العالم الراقي، إلى عالم الجنة التي تدعون اختصاصكم بها.
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(البقرة:95). عليم بالظالمين بالشكل الذي يفضح ما هم عليه، أحياناً كثير من الدعاوى قد تنسى أنك كيف تواجهها، أو كيف تفضحها، خاصة إذا حصل عند الإنسان وفق القواعد المنطقية في الإستدلال والجدل والحوار الذي معناه: مقارعة في اتجاه واحد، ونقطة واحدة. فأحيانا تكون منصرفاً عن الموضوع، عن موضوع دعاواهم أنهم مختصون بالدار الآخرة وأشياء من هذه قد يغنيك عن الجدل في القضية هذه [لا أبداً لستم مختصين ولو كنتم مختصين لكانت الأدلة كذا كذا…] أخذ ورد، قل: إذاً تمنوا الموت إن كنتم صادقين، وسيبين من خلال حالتهم بأن كل ما يدعونه أنهم غير واثقين منه، كل ما يدعونه لأنفسهم من اختصاصات، وطريقتهم طريقة غايتها الجنة هذه باختصاص عند اليهود بأنه فقط هم سيدخلون الجنة، هم، لن يدخل ولا النصارى، والنصارى هم فقط. إذاً فهذا يفضحهم تجعل منه هو من واقعه ما يفضحه.
ثم يبين لك أنت كيف يصل الإنسان في نفسيته، لأنه ظهر هنا بمظاهر متعددة، في اعتقادات، وسلوكيات، ومواقف من الأنبياء مواقف مما أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله). ثم يبين لك أثر الضلال في حالة نفسية داخله، حاله نفسية، خائفين من الموت ولهذا يزعجهم جداً [الموت لأمريكا الموت لإسرائيل]. لا يريد أن يسمع كلمة موت نهائياً.
عندما رأوا الموت في العراق بمعدل أربعة، خمسة كل يوم إنهارت معنوياتهم وانزعجوا هناك. الموت يشكل بالنسبة لهم قضية مزعجة جداً لأنهم غير واثقين بما وراءه نهائياً لهذا عندما قال الإمام علي (عليه السلام): ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) طمأنينة هذه، يأتي الموت، يريد يتقدم، يريد يتأخر متى ما أراد هنا طريقة صحيحة فليكن ما كان.
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدا} هذه فضيحة مؤكدة من البداية لأن الله سبحانه وتعالى هو يعلم، {يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}(الفرقان: من الآية6)، ويعلم أن هؤلاء هم بهذا الشكل {لَنْ يَتَمَنَّوْه} ألم يكن باستطاعتهم أن يتمنوه ليفضحوه، أبداً لن يتمنوه، وهم يتمنون أن يكون لديهم ماذا؟ ما يفضحون هذا الذي يعتبرون أنه غير صحيح، أو يدعون أنه ليس حقاً، القرآن مثلاً ونبوة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهذه قضية خطيرة لولا أنها من عند الله، لن يستطيع أحد أن يقول هذا أبداً، لن يجرؤ محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أن يقول: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدا} لماذا؟ لأن معناه أنك تعطي الطرف الآخر تعلق مصداقيتك كلها بشيء خطير ربما يعملونه تفتضح، أليست قضية سهلة؟ أنه يمكن أي طرف يتمنى الموت، لكن لما كان من عند الله، هو يعلم.
إذاً، فهذه من المؤكدات أن هذا القرآن هو من عند الله سبحانه وتعالى لا يوجد أي ريب على الإطلاق مثلما قال في أول السورة {لا رَيْبَ فِيهِ}(البقرة: من الآية2). لاحظ كيف أنه من مظاهر أنه {لا رَيْبَ فِيهِ} أنه من عند الله، هذه النقطة الحساسة والتي لن يجرؤ أحد على الإطلاق أن يقولها أن يتحدى الطرف الأخر بها، ترتب كل مصداقيتك على حاجة بسيطة [مثل الشعرة] ربما يقولونها! تقول: إذاً تمنوا الموت، ما رأينا شيئاً. انهار كل ما عندك من شيء، أبداً {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(الجمعة:7). عليم بنفسياتهم وشخّص للناس نفسياتهم، عليم بكيف تفضحهم، عليم بكيف تبطل كثيراً من ادعاءاتهم ومقولاتهم.
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}(البقرة: من الآية96) لأنه لا يتوقع شيئاً بعد الحياة هذه، هو يريد يبقى هنا {أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} أي: جزء من الحياة، يتشبث بحياة حتى لو قد صار يهودياً على عصاه ولو قد صار في وضع مزري، لا يحب أبداً أن يموت، وأحرص من الذين أشركوا، أحرص منهم على الحياة.
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}(البقرة: من الآية96). إذاً هذه هي تمثل نقطة ضعف بالنسبة لهم، كبيرة جداً. فمن نعم الله تعالى على الناس أنه عندما يكون أعداؤهم يسميهم: كافرين، وضالين، ولا يفقهون، وطبع على قلوبهم، ولعنهم، وغضب عليهم، وضرب عليهم ذلة، ومسكنة، ويخبر عنهم بأنهم حريصون جداً جداً على الحياة. ماذا يعني هذا؟ نقاط ضعف لديهم؛ لأن هذه كلها في الأخير تقوم عليها تصرفاتهم، قريبون جداً إلى الإنهيار في معنوياتهم، خوَّافون جداً، جبناء جداً.
نحن لا نقيمهم على أساس هذا الشيء الذي عرض القرآن الكريم! هو كلام من عند الله سبحانه وتعالى، وهو بالشكل الذي فعلاً يبين لك نقاط ضعف، ورغم هذا ما يزال المسلمون يرونهم أقوياء، ويرونهم كبارً، ويرونهم كتلاً من الصلب.
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}(البقرة: من الآية96) كلمة: تجدنهم، تظهر من سلوكياتهم وليس فقط قضية غيبية سترى، وستجد أنت أثناء الصراع معهم وتعاملهم في الحياة هذه ما يبين لك أنهم أحرص الناس، كل الناس حتى من المشركين، أحرص من المشركين على حياة {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}(البقرة: من الآية96). معنى هذا: أنها ليست قضية فقط نفسية، بل تظهر في واقعهم، تظهر في صراعهم، ظهر لنا في موضوع العراق عندما ظهر قتل يومياً كيف انهارت معنوياتهم، كيف بدت أمريكا هناك منزعجة جداً، يطالبون بإعادة الجنود، والجنود صاروا يتهربون على تركيا، وعلى سوريا.
يقولون في بعض الصحف: أنه الآن سوق في العراق التهريب مثل الذي كان يهربونهم إلى السعودية من المغتربين، سوق للتهريب، يهربونهم الذين هم عارفون. يهربونهم من صحاري [شغالين] يهربون الجنود، تبخرت كل مطامعه تلك، ولو أنه عارف العراق أنه ملان بترول، تبخرت، القضية فيها موت [الله كريم] لم يعد يريد شيئاً، لا بترول ولا شيء.
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ}(البقرة: من الآية96) العاقبة السيئة مرصودة لو يتعمر ألف سنة {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}(البقرة: 96- 97) لاحظ إلى أين وصلت الآثار السيئة لإعراضهم عن هدي الله؟ ألم يصيروا في مشاكل حتى مع الملائكة، وعداوة لرسل الله والآن عداوة مع الملائكة.
{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}(البقرة:97) تجد كيف التوجيه القرآني يختلف عن السياسة العربية الآن، السياسة العربية الآن للأسف متى ما قال أحد هناك في الغرب [الإسلام هذا إنما هو دين فرض بالقوة وبالسيف، الإسلام هذا يولد العنف والإرهاب] جاءوا هنا ليقولوا: [اتركوا يا جماعة اتركوا كلمة جهاد ولا تتحدثوا بها سيقولون هنا كذا.. كذا شوهنا ديننا] هذه تعتبر حالة غباء.
{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}(البقرة: من الآية97) هل قال الله: [إذاً سنكلف ميكائيل أو إسرافيل بدل جبريل!]؟ قل لهم جبريل هو هو الذي تعادونه، هو الذي نزله على قلبك لا تتأقلم معهم، لا تتأقلم معهم، تتجاوب معهم على أساس ربما، ربما إذا تركنا هذه يمكن ينسجموا هناك معنا، لا. هذه حاصلة عند العرب للأسف، هذه حاصلة!.
عندما تجد كتابة عن أحد اليهود هناك يعمل لتشويه الإسلام رجعوا هم وقالوا لنا: [أتركوا شوهتم لا تتحدث عن الجهاد، سيقولون متشددين، وإرهابيين، وتبرهنوا على أن الإسلام فعلاً على ما يقولون دين فرض نفسه بالسيف وبالقوة]. وينسون، ينسون أن يواجهوهم أن يقولون: لا. أنتم تبينون أنفسكم بالشكل المعاكس لما توبخوننا به، أنتم في نفس الوقت تفرضون ثقافتكم بالقوة، ثقافة من عندكم. أما هذا هو دين من عند الله يفرض على عباده جميعاً، أنتم الآن في البر وفي البحر قواعد عسكرية ومتجهين لفرض ثقافتكم بالقوة. عندما تقول، قل فلم تفرضون ثقافتكم بالقوة؟ الأسلوب الذي يوجهك القرآن إليه.
إذا ما هناك توجه قرآني ستأتي الأشياء عبارة عن ماذا؟ هزيمة نفسية، انعكاس لهزيمة، قالوا: كذا، نحاول نترك هنا حتى أنهم لا يقولون…! قل عندما يقول لك: الإسلام فرض بالقوة، لتكفي نفسك مؤونة الأخذ والرد حول أن الإسلام والجهاد هو كذا في الإسلام، وأشياء من هذه، قل: فلم تفرضون أنتم ثقافتكم بقوة الصواريخ والطائرات والغواصات وغيرها من قواعدكم العسكرية؟! إذاً، ثقافتكم هكذا. فهل باستطاعته أن يلومك، أو باستطاعته يوبِّخ دينك؟ هذه الطريقة أفضل، وليس أن ترجع إلى الناس لتقول لهم: اتركوا كلمة جهاد، لا أحد يدعوا إلى الجهاد، ولا أحد يربي مجتمعاً يبدو متشدداً في التزامه بهذا الدين وشديداً على أعداء الله، لا. لأجل أن لا يقولوا.
في موضوع جبريل في نفس السياق الأول: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}(البقرة: من الآية97) هم عادوا جبريل، قالوا: هم قالوا: من الذي ينزل القرآن عليه؟ قالوا: جبريل. قالوا: إذاً جبريل هذا عدو لنا. لو أن عند رسول الله حاشية وهو من نوعية العرب الآن لقال: والله لم يرضوا بجبريل، أرسل واحد ثاني يقول: إسرافيل، قالوا: إسرافيل هو عمل كذا. ماذا قاله له؟ – لأنهم عادة هم فئة لا تنتهي مطالبهم – قل لهم: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية97) هو الذي جاء به مباشرة، وليس حتى أن جبريل فقط هو واحد من الوسائط من جبريل إلى ملك آخر، بل هو نفسه الذي يأتي به إلى عندك، على قلبك.
{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}(البقرة: من الآية97) وجبريل نفسه هو لا يتصرف من جهة نفسه، هو من عند الله. ليعود إلى قضية هي أساسية عند البشر جميعاً، هي قضية هامة، أي: يجب أن لا تنسى الأشياء التي تعتبر تشكل إلتقاء، لأنه متى ما عاندوا يبدون أكثر فضيحة، وتكون الحجة عليهم أظهر {فَإِنَّهُ نَزَّلَه} جبريل هو الذي نزل القرآن {عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، إذاً، فإذا هو بإذن الله فيجب أن تقبلوه حتى ولو كان أنتم تعتبرونه عدواً.
{مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}(البقرة: من الآية97) وكلمة مصدقاً لما بين يديه، كل ما يقول بأنه: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، هو – عادة – موجود عندهم. أي: ما معناه: أمة أخرى، العرب لم يكن بين أيديهم شيء هل كان بين يدي العرب شيء؟ أو بين يدي الهنود أو الصينيين أو كذا؟ تكون الحجة قائمة عليهم أكثر، لأن الذي يحكى عنه ما بين يديه: التوراة والإنجيل. أليست من الكتب التي أنزلت على أنبياء منهم؟ وأنزلت ليهتدوا بها وليهدوهم بها؟ قل: فيجب أن تكونوا اقرب أنتم.
لأن العربي نفسه جاء لينسف ما بين يديه. ألم يكن بين يديه أصنام، وخرافات، وأشياء من هذه؟ وتقاليد جاهلية معينة؟ نسفها، أما أنتم فما بين أيديكم – ليس معناه ما بين أيديهم مما هو محرف – ما بين يديه هو ما كان قبله مما هو من عند الله: التوارة، والإنجيل التي أنزلت على موسى، وعيسى من عند الله، والزبور الذي أنزل على داوود، أي: في داخل بني إسرائيل نزلت، أليست نزلت داخل بني إسرائيل؟ فكان المفروض أن يكونوا هم أول من يؤمن فعلاً آمن العرب مع أن هذا الدين جاء لينسف منه إلهه بكله، يعتبره إله، وكثير من تقاليد جاهلية، وخرافات لديه ثقافة وعبودية، وتوجه كامل نسفه، ألم ينسف عندهم هذه؟.
{فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية97) لكل المؤمنين، ولكل من آمن، فجبريل عندما نزل بهذا الكتاب من عند الله لم ينزله بالشكل الذي ماذا؟ هو فقط حق فئة خاصة، أو يراعي أن يكون هدى وبشرى لمجتمع معين، أو جنس معين من البشر، هو نزل للكل {هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية97) من أي فئة كانوا هؤلاء المؤمنين.
{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة:98) ما الذي جنوا من وراء هذه؟ أنه سيؤقلم القضية على حسب ما يريدون؟ لا. سيكون هو عدوهم ويقارنون بين أنفسهم وبين الله، أليسوا هم الآن دخلوا في حالة عداوة مع الله؟ أعداء لملائكته، وكتبه، ورسله، إذاً هو عدوهم، وبالتأكيد هو الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده، وبيده مصيرهم، حياتهم وموتهم ومصيرهم في الدنيا وفي الآخرة.
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}(البقرة:99) خارجون عن الطريقة، هو بين كيف كان خروجهم ومظاهر خروجهم، وفي الآيات هذه أعطى نماذج لمظاهر فسقهم أي لخروجهم عن الخط الإلهي، عن الهدى الإلهي. {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً}(البقرة: من الآية100) مع أن الذي أنزله الله هو آيات بينات، أي: لو نظروا إليها مجرداً عن هذه الأشياء، أي لم تكن القضية فقط مربوطة بمجرد أنه نزلها جبريل، بل هي في نفسها آيات بينات، تدل على الحق، وترشد للحق، نزلها من نزلها.
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:99- 100) هذا مظهر أيضاً من مظاهر انحرافهم عن هدي الله كيف أصبحوا! لم يعد يوجد عندهم أي وفاء، ولا التزام، ولا إنسانية كما يقولون: {كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية100) هذه ظاهرة فيهم الآن بشكل عجيب في [إسرائيل] التي تمثل دولة لهم الآن يدخل [الليكود] في معاهدات وجاء [حزب العمل] عندما يأخذ الحكومة ينقضها، أحياناً نفس الحزب هو يدخل في معاهدات ثم ينقضها هو.
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}(البقرة:101) كيف كانت النتيجة أيضاً في تعاملهم مع كتبهم؟ في الأخير أدى إلى أن ينبذوا ما في كتبهم مما هو شاهد بنبوة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) تركوها وراء ظهورهم. لاحظ الضلال كيف يكون خطيراً جداً، كيف يجعلك مع كل شيء حتى مع ما هو محترم عندك في الأخير وإذا قد أنت تتعامل معه تعاملاً سيئاً.
كتاب الله الذي هو القرآن يرونه أمامهم آيات بينات، ثم كتبهم، لأنه أحياناً عبارة كتاب تأتي جنس، جنس الكتاب فهم قد نبذوا التوراة والإنجيل من قبل، ونبذوا ما فيها مما ظهر شاهداً لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وعرفوا من خلاله أن هذا نبي فعلاً وهذا هو كتاب من عند الله {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية101) وهم يعلمون أن هذا هو من عند الله، ويعلمون أن هذا مصدق لما في كتبهم من أشياء كان هذا مصداق لها، فنبذوا كتب الله السابقة، وكتاب الله هذا الجديد القرآن الكريم في ماضيهم عندما وصل ضلالهم فعلاً، وهي النتيجة التي يصل إليها أي مجتمع ينبذون كتاب الله ولا تدري إلا وقد هم يلاحقون أشياء ثانية ليس منها شيء.
{نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية101) هذه هي قضية مستمرة عندهم من زمان، تجد أنهم كيف كانوا يتجهون إلى ماذا؟ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}(البقرة: من الآية102) قد صاروا يلاحقون خرافات، [وعزايم]، وطلاسم وأشياء من هذه! وكتاب الله هو أهم، هو أهم بكثير، وفيه ما لا يحتاج إلى مثل تلك الأشياء.
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} كم الفارق بين الذي يأتي من عند الشياطين، وتزخرفه الشياطين، وبين كتب الله سبحانه وتعالى؟ بين هذا القرآن الذي نزله جبريل، وهم يقولون: جبريل، أبداً! هم هؤلاء يقبلون من شياطين! هم معادون لجبريل ولا يريدون القرآن، القرآن لا نؤمن به لأن جبريل هو الذي نزله، أنتم هناك سابقاً تتبعون ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من عهد سليمان وفي عهده.
{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}(البقرة: من الآية102) متبعين سحراً جاءت به الشياطين وتاركين كتب الله التي أتت بها ملائكة الله! أليست هذه نتيجة سيئة من نتائج الضلال؟ ومظهر سيئ من مظاهر الضلال هكذا قد ظهر فينا هذا عندما أعرضنا عن كتاب الله أصبحنا نتتبع ما يتلوه الآخرون من الضالين، ويقدمونه باسم أنه وسيلة لأن تعرف دين الله، و يقدمونه على أنه هدى من هدى الله {مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}(البقرة: من الآية102). وأيضاً {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ}(البقرة: من الآية102) بالنسبة للموضوع الأول قال فيه: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}. الشياطين يعلمون الناس السحر، قد تكون الجوانب التي هي في الواقع ما فيها فائدة استخدام سيئ لعلوم معينة.
{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ} أي: واتبعوا ما كان ينزل على الملكين ببابل هاروت وماروت {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ}(البقرة: من الآية102) هذه القضية، قضية الملكين، هي من القضايا التي حصلت أقوال كثيرة حولها، حول كيف؟ هل كانوا ملائكة فعلاً، أو سموا ملائكة، لما كان يرى الناس فيهم من مقام رفيع شبيه بقول المصريات: {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}(يوسف: من الآية31) بالنسبة ليوسف.
هل هم ملائكة كانوا في السماء وهبطوا إلى الأرض؟ المهم، أخذ ورد في القضية بشكل كبير، يبدو من هذا: أنهم ما كانوا أناساً سيئين، أعني: لو فرضنا وهم أناس، أو كانوا ملائكة نزلوا بعلوم، علوم للبشر، هذه العلوم هي كأي علم آخر شأنها شأن المعادن هذه. أليس الحديد يمكن أن يستخدم في الجانب الخير وفي الجانب السيئ؟ العلوم مثلاً علوم الذرة – التي يقولون – يستخدمونها في الجانب الخير وفي الجانب السيئ. وهكذا تقريباً كل العلوم، كأن هؤلاء جاؤوا بعلوم.
عندما يلاحظ الإنسان مراحل من التاريخ السابقة في فترة [سليمان] في فترة ربما [فراعنة قدامى] في مرحلة يبدو في الدنيا هذه كان يوجد تسخير لأشياء نتيجة علوم قائمة، تسخير لأشياء نتيجة علوم قائم فوق طاقات الإنسان، [المصريون] حصل عندهم [الأهرام] هنا في اليمن مظاهر أخرى، عند سليمان، كذلك [عرش بلقيس] يصل إلى عند سليمان في طرفة عين! فكأنه مهارة، كان لديهم علوم، لكن الإنسان أحياناً لا يقدر بعض الأشياء لا يقدرها في الأخير يتجهون إلى الجانب السيئ فيها، ويبحثون بعد ماذا؟ بعد العلوم التي يستغلونها في ماذا؟ فيما يفرقون به بين المرء وزوجه.
مع أن هؤلاء يبدو أنهما كانا يقولان لمن يعلمونهم: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ}(البقرة: من الآية102). أعني: لاحظ المساواة بين هذه والمساواة بين سليمان عندما قال: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}(البقرة: من الآية102) أولئك كانوا شياطين على عهد سليمان يعلمون أشخاصاً آخرين السحر، قضية ليست من عند سليمان، هؤلاء شياطين كافرون يعلمون الناس السحر، استخدام يضر بالناس وخدع وأشياء ليس لها قيمة.
سليمان لم يكن كافراً، أيضا ًما كان يعلمه الملكان هؤلاء، وهؤلاء أيضاً كانوا على هذا النحو: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}(البقرة: من الآية102) عندما يعلمون أحداً يقولان هذا شيء يمكن يستخدم في جوانب الخير والشر فلا تكفر باستخدامه في جانب الشر. {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}(البقرة: من الآية102). هذه تساوي قوله لسليمان {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}(البقرة: من الآية102).
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}(البقرة: من الآية102) هم استخدموه في هذا الجانب في التفريق بين المرء وزوجه. {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية102) هذه من الخسارة. لاحظ أيضاً من الخسارة الكبيرة عندما لا يسير الناس على هدي الله أنهم يضيعون العلوم التي تبني حضارة بالنسبة لهم، التي تبني الحياة بالنسبة لهم، التي تمكنهم من تسخير كثير من مظاهر هذه الحياة من المخلوقات، من الأسرار العجيبة في هذا الكون، في جوانب عمارة الدنيا في جوانب الخير، بناء حضارة – كما يقولون – فعلاً تجد هذه حصلت عند المسلمين! كان القرآن بالشكل الذي فعلاً يهدي هذه الأمة لو اهتدت به إلى أن تصل إلى علوم أرقى مما وصل إليه الغربيون.
وفي نفس الوقت يقدمونها خيراً للأمة وللبشرية في الوقت الذي قدمها الغربيون في الأخير شراً، شراً للبشرية نتيجة ماذا؟ عدم الإهتداء بهدي الله لا يوجد عندهم اهتمامات أخرى، يريد يتعلم أشياء أخرى من أجل إذا تزوج أحد بامرأة هو يحبها أو [لعبة] يفرق بينهم حتى يتزوجها، أو ذلك هو غاضب عليه يحاول يعمل أشياء تضره، يخلق بينه كراهية هو وزوجته [لعبة] هذه، لأنه هكذا الانصراف عن هدي الله هو الذي يحطم الحضارات في الأخير، هو الذي يجعل الإنسان على الرغم من عِظم ما يقدم إليه من علوم، ينظر إليها نظرة لا تكون ذات قيمة، وفي نفس الوقت إذا يريد يسخرها، يسخر منها الشيء الذي يلبي مطالب معينة وحاجات معينة هي تافهة.
الملكان قد يكونا فعلاً جاءا بعلوم هامة، أليس الله قال عن وزير سليمان عندما قال: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}(النمل: من الآية40) هذه قضية علمية فيها تسخير لأشياء في هذا الكون، أليس هذا يعتبر جانباً إيجابياً هاماً؟ تنسى هذه الأشياء التي هي هامة، تنسى و تترك لأنها نفوس قد فسدت، نفوس لم يعد عندها اهتمامات كبيرة، لم يعد عندها نظرات واسعة، لم يعد عندها أي شيء مما يمكن أن يعطيه هدي الله، فضاعت هذه العلوم الهامة جداً وأصبحوا يركزون على جانب [الطلاسم] للتفريق بين المرء وزوجه، ومازالت فيهم إلى الآن ألم يكن البعض يذهب [يعزِّم] من عند اليهود، يذهب يبحث له عن [عزايم] من عند اليهود؟ هذا يؤكد أنه فعلاً أن هدى الله هو الطريق الصحيح إلى بناء الحضارات، إلى الحصول على المعارف الواسعة التي يبني الإنسان بها الحياة على أرقى مستوى، وعلى أ ساس هدي الله. نفس الشيء حصل لنا تركنا القرآن واتبعنا ما يتلوه الذين تركوه من زمان.
على حسب ما نفهم بأنهما ما كانا سيئين هذان الملكان ولم يكونا يعلمان السحر، أو يقولا: لا تكفر ليدفعوك إلى أن تكفر. أبداً. قارن بينهما وبين قوله لسليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} هذا الإستخدام السيئ قد حذر منه هؤلاء الملكان كيفما كانت المسألة، أعني: ليست قضية أن نعرف هل كانوا ملائكة فعلاً، وهذا ليس مستبعداً أن يكونوا ملائكة فعلاً، نزلا ولم يكن معناه: أنهم ما زالوا مثلاً مستمرين هم قد يكونا علما فئة معينة، أو أشخاصاً معينين ويؤدونه بنفس الدور، ويقولون: لا تكفر، سواء كانا مازالا موجودين أو غير موجودين وقد حَمَلَ المُهمة أشخاص آخرون.
قد تكون العبرة التي يريد الله منها: أن ترى كيف وصل الناس الذين أعرضوا عن هدي الله، وكفروا بنعم الله كيف وصل بهم التعامل مع علوم هامة؟ وكيف أصبحت اهتماماتهم بالشكل الذي أضاع تلك العلوم؟ اهتمامات لا قيمة لها للتفريق بين المرء وزوجه! بينما الشخص ذلك الذي كان عنده اهتمام كبير: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}(النمل: من الآية40) قضية ما قد استطاع الناس أن يفسروها إلى الآن كيف أمكن؟ مع أنهم يقولون: أن السرعة على هذا النحو قد تؤدي إلى أن الجسم الفلاني يحترق فكيف كانت المسألة؟ إن الله هو مصدر العلم، والعلم من عنده وهو يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}(الإسراء: من الآية85).
والكون فيه أسرار كثيرة جداً ومعظم الأشياء الآن القائمة، عندما ترى الصورة في التلفزيون وهي تنقل لك [البث] من [لندن] مثلاً أو من أقصى منطقة في الدنيا هذه أليس هو عبارة عن استخدام لأشياء في الكون؟ أشياء لا يستطيعون أن يشخصوها ويعرفون ما هي، يسمونه: [أثير]، أنت تعمل مثلاً في جهاز [البث] أنه يجعل موجات مثلاً مكهربة، ممغنطة على نحو معين فتنطلق بهذه السرعة إلى [الأقمار] ثم تنزل إلى جهاز الإستقبال هنا، هل هي مشيئة من عندهم نافذة؟ أو إستخدام وسائل؟ استخدام أسرار، استغلال أسرار، استغلال أشياء الله أودعها في هذا المحيط في هذا الكون وبشكل عجيب.
مثلاً، قد تلاحظ ممكن [التلفزيون] يبث في نفس الوقت ست محطات في شاشة واحدة تكون كلها تراها أمامك ولو لم يكن بإمكانك أن تفتح واحدة وهي تمر عن طريق سلك واحد! [خطوط الإنترنت] الذي يستخدمونه الآن الإنترنت [الألياف الضوئية] التي يسمونها هي أشياء دقيقة جداً يمر منها الأشياء المتعددة في نفس الوقت الواحد! تظهر في جهاز هذا كذا، وجهاز هذا كذا، وجهاز هذا كذا، وهي في نفس الوقت خط واحد لا تتغالط في الهواء لا الصور ولا الحروف مع زحمة البث، الأصوات والصور صوت وصورة تزدحم بشكل رهيب ويجلس [الواو] واواً حتى يصل عندك من هناك سواء مكتوب أو منطوق يمر بواوات أخرى أشياء عجيبة!.
كيف جهاز البث وجهاز الإستقبال ما هما؟ أليسا عبارة عن استعمال لوسائل، دوائر كهربائية معينة، أشبه شيء [بالأوفاق] تلك التي يعملونها أوفاق وحروف وأشياء من هذه وتترك أثراً معيناً؟ لاحظ جهاز [التلفزيون] أو [الراديو] عندما تنظر إلى مخططاته أشبه شيء[بالطلاسم] فيه دوائر كهربائية معينة، وقطع معينة فيها سلك مشدود على شيء، وفيها قطعة معدن أخرى، وفيها تراب معين وفيها ملح، فيها أشياء من هذه، كهرباء تمشي فيها تطلع لك هذه الأشياء.
ربما كان مع الأولين أشياء هي تعتبر مقومات هامة للحضارة ولهذا قال عن ذي القرنين: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}(الكهف: من الآية84) كان لديه وسائل استطاع أن يرحل إلى الشرق والغرب، إلى شرق المعمورة هذه، وغرب المعمورة هذه، وبطريقة كان هو في نفس الوقت شخصاً نافذاً مثلما تقول ومعروف في الشرق، ومعروف في الوسط في الشمال عند الذين بنى عندهم سداً ومعروف في الغرب؟ بمعنى أنها ليست فقط قد تكون رحلة واحدة. أسباب معينة لا أدري ماذا كان يوجد، لكن هكذا الإنسان في الأخير ينطلق يحطم حضاراته التي قد يكون منشؤها من عند الله بشكل معين، علوم معينة، علم من الكتاب، أو علوم هندسية يدمرها لأنه يصل في استخدامها إلى أنه يصبح لديه اهتمامات غير صحيحة!.
مثل الأمريكيين الآن وتوجههم هم واليهود، كيف توجههم؟ استغلال هذا العلم بكله، هذه النتائج المهمة جداً من أعمال المبدعين والمخترعين ربما كان بعضهم يسهرون كثيراً، وبعضهم يكون ضحية تجربته متجهين لاستغلالها بالشكل الذي يحطمها فعلاً، ويؤدي إلى تحطيمها وخسارة كثير من العلوم سواء بأن يقال: إذاً هذا الشيء لا يستخدم نهائياً أليسوا متجهين إلى موضوع [الذرة] و[المفاعلات] بأنه هذا لا يستخدم نهائياً! فيؤدي في الأخير إلى هذا، لأنهم لا يسيرون على هدي الله ويستفيدون من العلوم، وتتسع معارفهم بشكل صحيح ويعمرون الحياة، لأن عمارة الحياة قضية هي غاية من استخلاف الإنسان؛ لأنه من خلال عمارتها تتجلى، تتجلى قدره الله، وحكمته، وتدبيره، وعلمه، ورحمته، وملكه وألوهيته، إلى آخره.
متجهون إلى تحطيم الحضارة، تحطيم العلوم مثلما حطموها هم من قبل، هم حطموا هم وأضاعوا العلوم السابقة، وهم الآن بتصرفاتهم متجهين وبالشكل الذي تضيع الحضارة القائمة نفسها! هذه تمثل شاهداً، لأنه أحياناً يحصل عند البعض نظرة بأنه: نترك الدين هذا ونتجه لنلحق بركاب الآخرين! الآخرون الآن هم يضربون لك مثلاً، وماضيهم ضربه مثلاً أضاعوا علوماً في الماضي هامة، عرض في القرآن مظهراً من مظاهر استخدامها الإيجابي: قضية إيصال عرش بلقيس إلى فلسطين في لحظة، وترى في واقع الحياة لا يزال آثار لتلك العلوم، أهرام مصر وغيرها من الأشياء التي ما استطاعوا يفسرونها إلى حد الآن تفسيراً مقبولاً أبداً.
تراهم الآن متجهين لضرب العلوم لتعرف بأن هؤلاء قدموا من أنفسهم مثلاً أنه أي بيئة قد يحصل فيها علوم على هذا النحو هي تفتقر إلى هدى الله لتحفظ هذا العلم نفسه، لتحفظ هذه العلوم، ولتتوجه هذه العلوم إلى بناء الحياة، وإلى بناء الإنسان بشكل صحيح، وأنهم هم يبرهنون على أنهم لافتقادهم هدى الله متجهون لضرب العلوم هم، وإنهاء الحياة هم، ثم يستأنفون من جديد!.
كم قد يقتل من الخبراء عندما تأتي حروب؟ عندما تأتي حروب كم يقتل من خبراء، وعلماء، وتدمر مصانع ومعامل وأشياء كثيرة هي تعيق الأمة، تعيقها. عندما تبدأ تستأنف من جديد معناه أشبه شيء بالعودة من مرحلة ما فوق الصفر، إذا كانت بلد ما زال معها خبرات سابقة.
إذاً فهذا يؤكد بأنه ليست المسألة على هذا النحو حتى نقول: إذاً ماذا عمل لنا ديننا؟ نقول: افهم الآن هذا القرآن الكريم كيف أنك ترى الآخرين أنهم بحاجة إليه وأنهم متجهون إلى أن يحطموا أنفسهم ويحطموا العلم، ويحولوا العلم إلى إضرار بالناس، وضرب للبشر يبرهنون على أنه لا بد من أن يترافق مع العلم هدى الله ليحتضن العلم، لينمي العلم، ويوسعه، ويجعل له قيمة.
إذاً لا تفسر هذه بأنه هم كانوا أشخاصاً سيئين ويعلِّمون الناس السحر، هذا بعيد فعلاً، لأن هذه أشياء تبرهن من القرآن الكريم فيما حكاه الله أن الآثار باقية، أنه قد كان علوم سابقة بواسطتها يستطيع الإنسان أن يسخر أشياء كثيرة هي فوق طاقته بالشكل الذي ما استطاع العلماء والخبراء الآن أن يفسروها أن يفسروا كيف تم نقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}(النمل: من الآية40) هذا الإرتداد الطبيعي للعين، أليست العين تجلس تطرف دائماً كل قليل وطرفت؟ إحسب لها كم ثواني حتى تطرف بشكل طبيعي، سرعة هائلة جداً، كم المسافة ما بين اليمن وفلسطين؟ قد يكون أكثر من ألفين كيلو قد يكون أكثر.
{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ}(البقرة: من الآية102) لماذا أصبحوا هكذا يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم؟ من أين منشؤها؟ منشؤها الإعراض عن هدي الله من البداية.
{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}(البقرة: من الآية102) إذاً من جعل هذا بدلاً عن الهدى ما بقي له في الآخرة من نصيب {وَلَقَدْ عَلِمُوا} وأنت تراهم كيف الواحد منهم يود لو يعمر ألف سنة، هو يعرف مصير مظلم.
{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية102) هذا ثمن أنفسهم باعوا أنفسهم بأسوأ مصير وأسوأ عاقبة.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(البقرة:103) وقد تكون من المثوبة أن يهتدوا إلى علوم هامة لا يكونون ماذا؟ بهذا الشكل الذي عندهم أن يتعلموا ما يضرهم ولا ينفعهم. المثوبة فيما يتعلق بالثواب.
والثواب عادة عندما ترى القرآن الكريم لا يخصه فقط بموضوع الآخرة، يذكر ثواباً من الدنيا، ويذكر ثواب الآخرة باعتباره أرقى ثواب هادئ ومستقر، أليست الجنة عبارة عن جزاء؟، كل شيء فيها متوفر تلقائياً ليس فيها حتى أن تحتاج إلى عمل وخبرات وأشياء، كل شيء يأتيك إلى عندك، وكل شيء جاهز.
لكن في الدنيا تأتي أشياء كثيرة منها – وهذه القضية ملموسة من خلال القرآن الكريم – أنه يهدي إلى قضايا تدفع بالإنسان إلى أن تتوسع معارفه وينال العلوم المتعددة، وتتطور بالنسبة للمجتمع الذي يسير على هدي الله، يتطور هو فتتسع حاجته إلى علوم متعددة فيحصل على علوم كثيرة جداً، العمل فيها وتوظيفها ونتائجها كلها تمثل طاعة، تمثل طاعة.
لأنه فعلاً في الأخير الإنسان عندما يسير على هدي الله وأمة تسير على هدي الله تتحول كل أعمالها باعتبار الغايات والمقاصد كلها تكون خيّرة، ونتائج خيّرة، تتحول كلها إلى ماذا؟ إلى طاعة إلى عبادة. {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(البقرة:103).
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
التعليقات مغلقة.