حوِّلوها إلى مناسبة لحماية الوطن لا تمزيقه
هذا "الإجماع الوطني"، إذا جازت تسميته كذلك، حول إدانة جريمة اغتيال النائب عبدالكريم جدبان؛ ينبغي أن يتحول إلى فعل على الأرض لايكتفي باحتواء آثار الجريمة فحسب بل يسعى لتحويلها إلى آخر جرائم الاغتيال، وآخر محطة تهديد لاستقرار الوطن ولأمن أبنائه وسلمهم الاجتماعي.
على الأجهزة الأمنية المضي بجدية في التحقيق حول الجريمة، وبشكل استثنائي، بحسب تعبير "الإصلاح" في بيانه بشأن الجريمة.
نزول قيادات الحكومة والأحزاب السياسية بكل ثقلها لإنهاء معارك دماج يُفترض أن يكون الخطوة التالية، فهذه الحرب تحولت إلى باب مفتوح أمام عواصف حمراء ستعصف بتاريخ كامل من تعايش اليمنيين ووحدة نسيجهم الاجتماعي على تعدد هوياتهم المذهبية، ولذلك يجب إغلاق هذا الباب وسده سريعا، على أن ذلك قد تأخر حتى الآن، وما كان للأوضاع أن تتدهور إلى هذا السوء لو أن القوى السياسية في صنعاء لم تتعامل بمسؤولية مع هذا الاشتباك الحوثي السلفي منذ بدايته.
رد فعل الحوثيين تجاه الجريمة بدا متعقلا حتى الآن وينم عن شعور عالي بالمسؤولية، وعدم الرغبة في الذهاب برد الفعل إلى نقطة متطرفة؛ نقطة سيخسرون معها ويخسر خصومهم، كما سيخسر الوطن عموما.
إضافة إلى بيانهم الذي اكتفى بتحميل السلطة مسؤوليتها عن الحدث باعتبارها المسؤولة عن أمن مواطنيها؛ بلغني أن عبد الملك الحوثي وجه قيادات تياره بـ"ضبط النفس"، وعدم الانجرار، كما وجههم بعدم ترتيب أي موقف نتيجة الاغتيال، ضدا على مؤتمر الحوار الوطني، بل الاستمرار في المشاركة فيه.
هذا الرد المتعقل لابد أن يتم التقاطه على نحو جيد من قبل بقية القوى السياسية، والتعامل معه، والبناء عليه. وطبقا لمعلومات لدي فقد بدأت تحركات بالفعل من قيادات مهمة في صنعاء، كما حرت تواصلات مع المكتب السياسي للحوثيين، وعلى رأس هذه التحركات تحركات للرئيس هادي شخصيا.
أتمنى أيضا أن نرى قيادات الإصلاح والسلفيين، وقد أدانوا الجريمة بذلك الصوت العالي والواضح، أن يكونوا على رأس، أو بين، مشيعي الشهيد جدبان، الأمر الذي سيوجه رسالة محبة وسلام بالغة الأهمية وشديدة الأثر، فجميع اليمنيين يضعون الآن أكفهم على قلوبهم قلقا حيال تمزق يهدد وطنهم بالتحول إلى بركة دماء.
تعالوا جميعا لتحويل استشهاد هذا المثقف المدني المتسامح، والذي لم يحمل يوما سلاحا ولا اصطحب مرافقا مسلحا واحدا؛ تحوبلها إلى مناسبة للنجاة باليمنيين من مستقبل أسود، وفرصة أيضا لإسقاط حواجز وخنادق الكراهية المحمولة أساسا على أجنحة سياسية لا طائفية.
إن من شأن تلك الرسالة أيضا أن تسهم في وضع حد لسلسلة اغتيالات وعمليات عنف أخطر وأوجع، وهي سلسلة يتم التسريب بشأنها يوميا، مع أن الجميع يتمنى أن لا تكون حقيقية وأن تظل مجرد شائعات.
كل ذلك، بالطبع، مع اتفاق الجميع على استمرار البحث عن الحقيقة وراء الاغتيال، المؤلم والمر، حتى تحقيق العدالة والوصول إلى الجناة.
فهل يمكن لقياداتنا السياسية في مختلف الأحزاب والتيارات أن تكون عند مستوى هذه المسؤولية ولو لمرة واحدة، وليست أية مرة؟
التعليقات مغلقة.