صنع عربات مدرعة ومسلحة في كندا لحساب المملكة السعودية يشكل مساساً خطيراً بالحقوق الإنسانية عندما لا تكون الجهالة من الأمور القاتلة ..
صنعاء سيتي | تقرير |
في ظل حكوماتها المحافظة، اتجهت كندا نحو التسلح بضغط من الولايات المتحدة وحلف الناتو. فقد تم وضع برنامج للتسلح بعيداً عن الأضواء دون أن يحاط الجمهور علماً بذلك إلا بمقدار ضئيل جداً. وفي هذا الإطار، صنعت في كندا سفن هجومية ومدرعات وعربات للاشتباك عن قرب وأسلحة من النوع القابل للاستخدام في منطقة القطب الشمالي. والآن… سيارات جيب مسلحة للمملكة السعودية.
سنشير في هذه الدراسة إلى عدد من عمليات إنتاج الأسلحة من قبل كندا خلال السنوات العشر المنصرمة. وسنلقي نظرة على البلدان التي تم تصدير الأسلحة والأعتدة الحربية الكندية إليها، وخصوصاً تلك التي لا تحترم الحقوق البشرية والحريات الأساسية باعتراف من قبل كامل الأسرة الدولية. ونعتقد بأن الجدل المفاجيء بخصوص بيع عربات جيب مسلحة إلى المملكة السعودية لا يجب أن يحجب الأنشطة الكندية في مجال إنتاج وتصدير الأسلحة على المستوى العالمي. وبالطبع، ينبغي أن يدان سلوك كندا في هذا المجال، ولا يبدو أن الحكومة التي تمسك بزمام السلطة حالياً تلتزم بعملية وقف للتسلح والتوجه نحو إطلاق صناعات أخرى بدلاً من صناعة القنابل التي تتسبب بتدمير بلدان كاملة وبهلاك عشرات الألوف من الأشخاص، كما في مشاركة كندا في عمليات قصف الأراضي الليبية في العام 2011، دون أن ننسى المعارك التي تخوضها في العراق.
وسنعرض لبرامج التسلح الموضوعة لحساب الحكومة الكندية وتلك الخاصة بالتصدير، ومنها البرنامج الذي عرض خلال مناقشة موازنة العام 2007 والبرامج الخاصة بالفترة بين 2007 و2009، ثم 2012 و2013. وأخيراً، سنعرج على التزامات الدولة الكندية الفيدرالية بخصوص عملية التسلح الخاصة بمنطقة القطب الشمالي.
كندا
1- البرنامج الخاص بصنع أسلحة جديدة في موازنة العام 2007
لقد كرست الموازنة الفيدرالية مليارات الدولارات للحصول على أسلحة جديدة, وتشتمل الخطة الخمسية المعلنة في هذا المجال على :
3 مليارات دولار لتجنيد وتدريب وضم 5000 جندي جديد إلى الخدمة بدوام كامل، إضافة إلى 3000 احتياطي. فقط 80 مليون دولار من هذه الأموال تمت تغطيتها عن طريق موازنة العام 2005.
3،2 مليار دولار لرفع مستوى الخدمات الطبية المتخصصة للجنود الذين يعودون إلى البلاد بعد تنفيذ مهام في الخارج. ويهدف قسم من هذا المبلغ إلى سد نواقص كبيرة في مجال التعويضات والخدمات وترميم بنى تحتية شائخة من نوع مدرجات إقلاع وهبوط الطائرات ومراسي السفن.
2،7 مليار دولار لإنتاج طائرات مروحية لنقل الجنود، وشاحنات للمهام اللوجستية، وطائرات خفيفة متعددة المهام، إضافة إلى بناء قاعدة جديدة أو توسعة القاعدة الحالية لقوة العمليات المشتركة التي يتزايد عدد أفرادها بشكل مستمر.
8 مليار دولار ابتداءً من العام 2007-2008، لمشاريع لم يعلن عنها ويمكن أن تتضمن صنع سفينة هجوم برمائي جديدة، مع تعزيز القدرة على التدخل في الأوضاع الطارئة كما في حالة الكوارث الطبيعية وغيرها.
2- ميزانيات دفاع ترتفع على الدوام رغم الركود الاقتصادي.. معطيات من العام 2008.
إننا نشهد سيناريو معروفاً بشكل جيد: هناك استثمارات في مجال الحرب في وضع يسوده التراجع الاقتصادي. مبالغ هزيلة تحصل عليها البلدان الفقيرة، ومداخيل أقل لفقراء البلدان الغنية.
لقد وضعت الحكومة الكندية قدمها في عملية إعادة تسليح البلاد منذ أيار / مايو 2008، حيث قدمت برنامجها الدفاعي المسمى “كندا أولاً”. ولم يلق هذا البرنامج غير معارضة ضعيفة إن من قبل الأحزاب السياسية أو من قبل المجتمع المدني. وقد نجحت الحكومة شيئاً فشيئاً في إدخال منطق الحرب إلى الاقتصاد الكندي وذلك من خلال لجوئها الدائم إلى تبرير إنفاقها الحربي بمشاركتها في “مهمة” التحالف في أفغانستان، وهي المهمة التي كنا نأمل بأنها ستنتهي رسمياً في العام 2011. ومنذ ذلك الحين، جرى الحديث عن مبررات أخرى من نوع الأخطار التي يقال بأنها تهدد السيادة الكندية في المحيط المتجمد الشمالي.
3 – 138 مدرعة قتالية للقتال عن قرب في العام 2009
إن المخاوف التي أعربنا عنها بخصوص عملية إعادة تدوير خطط الإنقاذ المالي من خلال التسلح على المستوى العالمي قد عبرت عن نفسها مؤخراً في كندا مع الإعلان عن توظيف كبير لمبلغ 5 مليارات دولار في قطاع الدفاع. وقد تم الكشف عن ذلك من قبل الوزير بيتر ماكاي في 8 تموز / يوليو الماضي.
وسيستخدم هذا المبلغ في إنتاج عدد من المدرعات الخاصة بالقتال عن قرب يتراوح عددها بين 108 و138 قطعة لحساب القوات البرية. كما سيستخدم في تحديث 550 مدرعة خفيفة من نوع ” VBLIII ” سبق وتم إخراجها من الخدمة بسبب الشروط القصوى (التي تنبغي مراعاتها على أرض المعركة) في قندهار حيث الغبار وتغيرات الطقس والهجمات المعادية.
4- الصادرات الكندية في مجال الأعتدة العسكرية بين العام 2007 والعام 2009
في هذه الفترة، برزت المملكة السعودية كبلد مستورد للمنتجات الحربية الكندية. وارتفعت الصادرات الكندية في مجال التكولوجيا الحربية لتبلغ 1،4 مليار دولار في الفترة ما بين 2007 و2009. وكان القسم الأكبر من الصادرات الكندية في هذا المجال (737 مليون دولار، أو 52 بالمئة) مخصصاً للبلدان الأعضاء في حلف الناتو. وكانت بريطانيا المستورد الرئيس الوحيد في كل عام بقيمة 40 بالمئة (296 مليون دولار) من قيمة واردات حلف الناتو، و 21 بالمئة من مجمل الصادرات العسكرية الكندية. وكانت هناك أربعة بلدان مستوردة رئيسية هي بلجيكا وفرنسا وألمانيا والنروج. كما كانت ثلاثة من أصل عشرة بلدان مستوردة للسلاح الكندي من خارج حلف الناتو وهي أستراليا ونيوزيلندا والسعودية حيث بلغت وارداتها ما قيمته 305،7 مليون دولار، أي 21 % من مجمل الصادرات العسكرية الكندية. أما المرتبتان الثامنة والتاسعة بين البلدان العشرة الرئيسية المستوردة للأسلحة الكندية من خارج حلف الناتو فقد احتلتهما على التوالي ماليزيا وكوريا الجنوبية.
5- صادرات الأسلحة الكندية خلال العامين 2012 و2013
بلغت قيمة الصادرات الكندية في مجال الأعتدة والتكنولوجيا العسكرية خلال العامين 2012 و2013 نحو 1،72 مليار دولار. وكان القسم الأكبر من هذه الصادرات (1،15 مليار دولار) مخصصاً لبلدان أعضاء في الناتو وبلدان أخرى مسجلة في قائمة تحمل عنوان “أسلحة أوتوماتيكية”. وقد احتلت السعودية المرتبة الأولى بين البلدان المستوردة للأسلحة الكندية وذلك بقيمة 575 مليون دولار أي 33 بالمئة من مجمل الصادرات الكندية في هذا المجال. وكانت كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا بين البلدان العشرة الرئيسية الأعضاء في الناتو والمستوردة للأسلحة الكندية. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة والنمسا وسنغافورة بين البلدان الرئيسية غير الأعضاء في الناتو قد احتلت على التوالي المراتب الأولى والرابعة والتاسعة في مجال استيراد الأسلحة الكندية بقيمة 741 مليون دولار، أي 43 بالمئة من مجمل الصادرات الكندية في هذا المجال.
6- عسكرة منطقة القطب الشمالي
تم الكشف عن مشروع هاربر ذي الطابع العسكري الخاص بالمنطقة القطبية الكندية في العام 2007.
وكانت عناصر خلافية بين الولايات المتحدة وكندا حول قسم من المنطقة المتجمدة الشمالية هي ما دفع حكومة هاربر في العام 2007 إلى الإعلان عن مشروع لبناء سفن قتالية مهمتها القيام بدوريات في المنطقة المتجمدة الكندية.
ويندرج هذا المشروع في إطار برنامج إعادة تسليح البلاد وباستراتيجية “كندا أولاً” الخاصة بالمنطقة الشمالية. وتنوي أوتاوا توضيف مليارات الدولارات للمحافظة على سيادتها على ذلك الجزء من الأراضي الكندية. ومن المنتظر أن يتم بناء عدد من سفن الحراسة يتراوح بين ست وثمان قطع للقيام بهذه المهمة. أما التكاليف فتقدر حتى الآن بسبعة مليارات دولار موزعة على 25 عاماً. ويشتمل المشروع على بناء ميناء في المياه العميقة.
خلاصة
إن صنع عربات مدرعة ومسلحة في كندا لحساب المملكة السعودية يشكل مساساً خطيراً بالحقوق الإنسانية.
أن منطق صناعة الموت المسماة “أعتدة عسكرية أو دفاعية” كندية يقضي بإنتاج معدات عسكرية قائمة على تكنولوجيا متطورة لحساب الجيش الكندي أولاً. وبعده لحساب بلدان حلف الناتو التي تشكل البلدان الرئيسية المستوردة للأسلحة الكندية. اما البلدان غير الأعضاء في الناتو والتي تصدر إليها الأسلحة الكندية فهي اليابان والسعودية وكوريا الجنوبية وأستراليا وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة والنمسا، وهي جميعها بلدان حليفة ووفيه للنظام الإمبراطوري الأميركي.
وخلال السنوات العشر الأخيرة، اتضح أن المملكة السعودية هي، بوجه خاص، وبالنظر إلى الارتفاع المتزايد لإنفاقها العسكري، مستورد مميز للأسلحة الكندية.
وقد شهد الإنفاق العسكري تزايداً سريعاً في الشرق الأوسط منذ العام 2011. إذ مرت كل من السعودية وعمان، بوجه خاص، بفترة نمو تجاوزت الـ 30 بالمئة بين العامين 2011 و2013. واحتلت السعودية المرتبة التاسعة بين مستوردي الأسلحة الكندية في العام 2013، وانتقلت خلال العام 2014 إلى المرتبة الثامنة لتسبق ألمانيا في هذا المجال.
يسعى خطاب العسكرة في كندا دون انقطاع إلى التقليل من مغزى التسلح، والهدف من ذلك هو كسب تعاطف الجمهور مع التوجهات العسكرية. وينقل هـ. بوزيتي عن دايفد بيري تصريحاً قال فيه لصحيفة لودوفوار في 8 كانون الثاني / يناير 2016، أن ” العربات [التي تم بيعها إلى السعودية] مصممة لأغراض دفاعية في مواجهة عربات مدرعة أخرى”. ولكن هل يجوز قتل العدو لا لشيء إلا لأنه مسلح؟ وإذا ما حدث ذلك فإنه سيكون نوعاً من “التدريب” في الميدان! وبوجه عام، يسعى هذا الخطاب إلى تقديم الأسلحة الكندية المصدرة إلى الخارج كما ولو أنها “غير قاتلة”.
أما ما ينبغي أن نأسف له وأن ندينه بوجه خاص فهو تصنيع هذه الآلات القاتلة في كندا من قبل شركة جنرال ديناميكس في لندن بمقاطعة أونتاريو. أما العقد الذي حصلت عليه هذه الشركة بقيمة 15 مليار دولار فيندرج في عملية إعادة تدوير للبترودولارات لتخرج على شكل اسلحة، وعلى شكل إشعال حروب جديدة.
التعليقات مغلقة.