فورين بوليسي الأميركية:انحطاط المعايير المهنية لقناتي الجزيرة والعربية
قال الكاتب الإماراتي سلطان القاسمي في تقرير له بصحيفة فورين بوليسي الأميركية إنّ حرباً إعلامية تدور على هامش الأحداث في سوريا. فالجزيرة والعربية الفضائيتان الخليجيتان اللتان تستحوذان على النشاط الإخباري في العالم العربي، وقعتا في مطب منافسيهما وباتت أخبراهما سيئة بقدرهم، في ما شكل انحطاطاً للمعايير المهنية الخاصة بالقناتين، خاصة مع التخلي عن ضوابط التقصي البدائية، والإعتماد على متصلين مجهولين ومقاطع فيديو لا يمكن التحقق من مصداقيتها.
ويضيف التقرير أنّه ومع اعتماد القناتين على مواطنين صحافيين من " شهود العيان" الذي يحملون مقاطع على يوتيوب، فإنّهما باتتا بالنسبة للمشاهد غير العربي، أشبه ببرنامج "آي ريبورت" التفاعلي الذي تبثه سي ان ان مرة في الشهر، والذي يعتمد على المواطنين الصحافيين، لكن بتغطية تستمر لساعات وساعات يومياً على القناتين. وطبعاً من العادي أن تلحظ على القناتين أنّ أول 20 دقيقة من نشرة الأخبار تختص بناشطين سوريين، بعضهم ذوو خلفيات مشبوهة، إما يتمركزون خارج سوريا أو داخلها، ويتحدثون عبر سكايب حول أحداث تجري بعيدة مئات أو آلاف الكيلومترات عنهم.
ولا يغفل التقرير عن السقطة الكبيرة للقناتين اللتين فتحتا شاشتيهما لرجل الدين السني المتطرف عدنان العرعور الذي هدد يوماً السوريين العلويين بـ"فرم لحمهم وإطعامه للكلاب" بسبب تأييدهم للرئيس السوري بشار الأسد. ومع ذلك فإنّ العربية تسمّي العرعور في بثها كـ"رمز للثورة"، بينما تعتبره الجزيرة "أكبر محرض لا عنفي ضد النظام السوري".
ولا تقتصر لا مهنية القناتين عند حد معاداة النظام السوري، فالتقرير يذكر التغطية الواسعة منهما معاً لانشقاق مناف طلاس، لكن بعد أن اختار طلاس الظهور على العربية وكذلك صحيفة الشرق الأوسط السعودية بشكل حصري، قاطعته الجزيرة فجأة. وبالعودة إلى الإنشقاق (الذي جرى بينما لا يملك طلاس أيّ نفوذ حقيقي في النظام) فقد وصفته العربية بـ"الصفعة القاسية" للقوة العسكرية السورية. ومع أنّ العربية أسهبت في تعداد أقارب طلاس ممن يعارضون النظام، فقد فشلت في ذكر عمه طلال طلاس الذي ما زال حتى اللحظة نائباً لوزير الدفاع السوري.
ويتابع التقرير أنّ الكثير من المقالات شككت في مصداقية ما يسمى بـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومقره لندن، والذي كثيراً ما تعتمده الجزيرة والعربية مصدراً رئيسياً لما يجري ميدانياً في سوريا، ومع ذلك فإنّ القناتين لم تذكرا قصة التشكيك هذه حتى. كما سلطت صحف عالمية الضوء على وجود جماعات إرهابية بينها القاعدة في صفوف المقاتلين ضد النظام السوري، لكنّ مثل هذه الإحتمالية، نادراً ما تبث على القناتين العربيتين، إن لم نقل لا تبث أبداً.
وينتقل التقرير إلى جبهة أخطر، حين يعتبر أنّ العربية والجزيرة ليستا وحدهما من انتهكتا معاييرهما الصحافي، بل أيضاً هنالك مؤسسات إعلامية عالمية كالغارديان وحادثتها الشهيرة مع "الفتاة السورية السحاقية التي تعيش في دمشق" والتي تبين انّها في الحقيقة "رجل أميركي" يعيش في اسكتلندا. كما ينسحب الأمر على تغطية بي بي سي لـ"مجزرة الحولة"، التي وصفها بالمثيرة وعرض انتقاد محرر من القناة بالذات لها.
ويعتبر التقرير أنّ الخسارة الكبرى في هذا الإطار هي للجزيرة بالذات، التي تابعه ملايين من العرب العام الماضي مع بزوغ الربيع العربي، وباتت اليوم مجرد ظل لما كانت عليها يومها. ويشير كاتب التقرير إلى مقال كتبه قبل شهر عن انحياز الفضائية القطرية للإخوان المسلمين في مصر، وعن تلقيه بعد هذا المقال، عشرات الرسائل الإلكترونية من موظفي القناة بالذات يؤكدون له هذه الحقيقة. ويشير في هذا الإطار إلى أنّ الجزيرة تتابع انحيازها للإخوان في الأخبار المتعلقة بفرع الجماعة السوري، الذي يعتبر جزءاً من حركة المعارضة المحلية للنظام السوري.
ويتطرق التقرير إلى تعيين الجزيرة، أحمد ابراهيم، رئيساً لديسكها الإخباري السوري، وهو شقيق أنس العبدة العضو في جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على المجلس الوطني السوري. ويذكر أنّه يستخدم اسم "أحمد ابراهيم" كتغطية لاسمه الحقيقي أحمد العبدة.
من جهة اخرى تابعت الجزيرة استضافة داعمي النظام السوري لإعطاء مشاهديها انطباعاً معيناً. وجاء هذا بعد تسليمها الديسك الصحافي الخاص بالشؤون السورية داخلها لأحمد العبدة وهو شقيق الإخواني عضو المجلس الوطني السوري أنس العبدة. ويغطى اسمه باسم مزور هو أحمد إبراهيم. وبخصوص المعارضين الذين تستضيفهم فإنّ اسم محمد علوش يعتبر ضيفاً مألوفاً على القناة، وهو الذي قال لموقع الجزيرة إنّ ميثاق الإخوان المسلمين هو أفضل ما قدم.
ويتابع التقرير أنّ الإنتقادات للجزيرة والعربية تزايدت بالترافق مع تغطيتها المنحازة. وهو ما يؤكده الباحث السوري فادي سالم الذي يتخذ من دبي مركزاً له الذي يتهم القناتين بـ"دفع كميات كبيرة من الأموال لمتصلين مجهولين مع تزويدهم بمعلومات محددة بشأن سوريا، وإعادة تدوير مقاطع يوتيوب لتتناسب مع منطقة محددة من سوريا.
في الختام يشير الكاتب إلى أنّ مصير سوريا يؤثر بشكل مباشر على مستقبل النظامين السعودي والقطري، فهما يريدان مشاهدة سقوط النظام السوري ، لأسباب شخصية أو لأسباب استراتيجية. فالنهاية المقتربة للأسد في سوريا هي فصل آخر من تحول شكل الدولة العربية القديمة، الذي بدأ مع سقوط صدام حسين في العراق، ونهاية حسني مبارك في مصر. هي ببساطة قضية أهم من أن تترك بأيدي وسائل إعلام تتطلع لتحقيق مصالحها الخاصة الضيقة.ي الجزيرة والعربية
التعليقات مغلقة.