بداية العد العكسي للحرب الشاملة في المنطقة
فشل مرحلة وبداية أخرى
فشلت مشيخة قطر وتركيا ومعهما مخابرات قوى الشر العالمية، طوال أزيد من سنتين من الحرب الكونية الوحشية التي شنت على سورية بهدف إسقاط النظام، وتفتيت جيشه، وتقسيم البلاد، برغم عشرات الآلاف من الإرهابيين والمرتزقة الذين أستقدموا من كافة أصقاع الأرض، ومئات الآلاف من أطنان السلاح والذخيرة التي تسببت في مقتل أزيد من 100 ألف إنسان دون جدوى.
لتكتشفت الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين (فرنسا وبريطانيا)، وإن متأخرين، أن لا فائدة من ضخ المزيد من السلاح للمعارضة، ما دام هذا السلاح ينتهي في يد الجماعات التكفيرية التي تسيطر على الأرض، والتي باعت حوالي 70% منه للقوات النظامية، التي يبدو أن الحرب زادتها قوة وصلابة ومراسا، فظلت متماسكة كما غالبية الشعب السوري وراء القيادة في دمشق، دفاعا عن الدولة والوطن، وعن خط الممانعة والمقاومة في المنطقة.
حينها، قررت الإدارة الأمريكية إنهاء الصراع في سورية، والقبول بالتسوية السياسية مع الروسي من خلال مؤتمر “جونيف 2″، خوفا على ما تبقى من مصالحها في المنطقة من الزوال في حال إنتصار سورية، وخروجها معافاة من أزمتها.
لم تصتصغ المملكة الوهابية الأمر، وهي التي تعتبر بقاء النظام السوري في دمشق نهاية لدورها العربي في المنطقة، لا، بل وتهديد لإستمرار نظامها. فدخلت بقوة على خط واشنطن – موسكو لتأجيل التسوية، بعد أن ضغطت على الإدارة الأمريكية بتنسيق وثيق مع إسرائيل، بهدف إعطائها فرصة لتعديل موازين القوى على الأرض لصالح المعارضة، ما سيكسب واشنطن أوراق قوة في المفاوضات المقبلة. وكانت الرياض تعتقد أنها بدخولها أتون الصراع في سوريا، ستتمكن من إستعادة دورها الإقليمي الذي خطفته منها قطر، وستنجح في إبعاد المخاطر التي تتهدد نظامها ومصالحها، في حال استطاعت تفكيك أهم حلقة من حلقات المقاومة على خط لبنان طهران، ما سيمكنها من تعرية ظهر حزب الله، وقطع جسر التواصل بين إيران ودول المنطقة العربية، والمتمثل في سورية.
السعودية من المساومة إلى المغامرة
في نشوة الغرور بفرصتها الجديدة، اعتقدت الرياض أن بإمكانها شراء الموقف الروسي بالذهب ووهم الوعود الخادعة، فسافر بندر بن سلطان إلى موسكو باقتراح من إسرائيل ودعم من واشنطن، وعرض على الرئيس ‘بوتين’ ما أصبح معروفا للجميع من إغراءات مالية، ومزايا تعاون وعقود، وضمان مصالح في المنطقة العربية من الماء إلى الماء، وكان بندر يتحدث بإعتباره سيد المنطقة الجديد وعراب العالم العربي في المستقبل القريب. غير أن الرد الروسي كان صادما: “لا مساومة على سورية، ولا تنازل على الرئيس بشار الأسد”.
أغضب هذا الجواب القاطع الحاسم الأمير الأسمر صاحب الدم الأمريكي الأزرق، فقال للرئيس الروسي بوقاحة: “إنها الحرب إذن في سوريا، ولا إمكانية لعقد مؤتمر جنيف 2 قريبا، لأن المعارضة لن توافق على حضوره”. فأجابه الرئيس ‘بوتين’ بهدوء وأدب: “تؤكدوا أنكم لن تحققوا أهدافكم في سورية”.
الرئيس الأسد، ومباشرة بعد عودة بندر بن سلطان من زيارته لموسكو، أدرك أن لعبة الموت ستعرف تصعيدا جديدا وخطيرا في بلاده، فأعلن موقفه الواضح من هذا التهديد بقوله للإعلام: “إن الحسم سيكون في الميدان”.
الرئيس ‘أوباما’ بدوره لم يستصغ الرفض الروسي لمقترحات بندر بن سلطان، فاتهم نظيره الروسي بأنه: “كطفل غير مبال يجلس في آخر الحجرة الدراسية”، مضيفا في تصريح للصحفيين قبل أسابيع بالبيت الأبيض: “إن الرئيس الروسي يتصرف بعقلية الحرب الباردة وهذا لا يخدم مصالحنا” في إشارة منه إلى خلافات العميقة القائمة بين البلدين حول سورية، والتي جائت متزامنة مع فضيحة مشتشار الأمن القومي ‘سنودن’ الذي سلمته موسكو اللجوء السياسي المؤقت لعام، ما اعتبره المراقبون القشة التي قسمت ظهر البعير بين واشنطن وموسكو. ثم أضاف الرئيس ‘أوباما’ بمناسبة ذات التصريح قائلا: “لقد قررنا المضي قدما للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة”.
هذا التصريح إعتبر بمثابة رفض من قبل ‘أوباما’ القبول بروسيا كشريك في القرار السياسي بالمنطقة العربية وبقية مناطق العالم، خصوصا بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي صراحة عن قراره التصعيدي المفاجأ بإلغاء لقائه المقرر مع الرئيس ‘بوتين’ على هامش إجتماع قمة العشرين في روسيا نهاية شتنبر/أيلول المقبل.
لم يصدر موقف رسمي عن الرئيس الروسي بهذا الشأن، لكن دبلوماسيا روسيا كبيرا وصف الموقف الأمريكي من الرئيس ‘بوتين’ بأنه “غير مقبول”، مضيفا: أن “الرئيس الامريكي ‘باراك أوباما’ يعتبر أفشل رئيس حكم الولايات المتحدة في ادارة السياسة الخارجية”.
وقال الدبلوماسي الروسي الذي رفض الكشف عن اسمه لصحيفة (المنــار) قبل أسبوع: أن “باراك أوباما حطم الكثير من قواعد وأسس السياسة الخارجية الأمريكية، وهي بحاجة الى سنوات طويلة لاصلاحها”. مفسرا ذلك بقوله: “أوباما اعتقد بأن الوسيلة الوحيدة لضمان أمن الولايات المتحدة في الخارج والداخل، ومواجهة أية أخطار من جانب الإسلام المتطرف، هي مساعدة ما يسمى بـ’الاسلام السياسي’ المعتدل للوصول الى الحكم في العالم العربي، ومن هنا جاءت مساندته لجماعة ‘الاخوان المسلمين’، وتمويلها بمليارات الدولارات، الى درجة أنه تحالف معها، لكن، الاحداث والأيام أوضحت بجلاء كره الشارع في الساحة العربية لهذه الجماعة التي تعتمد العنف والإرهاب في تمرير أهدافها ومواصلة الإمساك بمقاليد الحكم”.
أما رئيس الدبلوماسية الأمريكية الوزير ‘جون كيري’، فنقل عنه مقربون يوم 21-8-2013 قوله بنوع من “السخرية” من الموقف الروسي المتمسك بعقد مؤتمر “جنيف 2″ حول سورية: “أنا معجب بمبادرة جنيف وأعتبرها مع المبادرة العربية المعدلة التي سلمتها مشيخة قطر لأمريكا خلال زيارة وفد من وزراء الخارجية العرب الى واشنطن قبل أشهر قليلة، صالحتين كأساس لحل الصراع في المنطقة”. وهو الربط الذي فهم منه أن الإدارة الأمريكية لا تنوي عقد إجتماع “جنيف 2″ حول سورية، قبل النوصل إلى إتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق الرعبة الإسرائيلية والرؤية الأمريكية للحل، بموافقة عربية مسبقة.
كما اعتبر تصريح ‘جون كيري’، إشارة واضحة إلى أن أمريكا قررت حسم الوضع في سورية بموازات تصفية القضية الفلسطينية قبل الحديث عن أي مؤتمر للتسوية السياسية بوجود الرئيس بشار الأسد. وتعتبر مدة 9 أشهر وفق التقديرات الأمريكية، مدة كافية لإحداث تغييرات جوهرية على الأرض بمساعدة الحلفاء.
خطط السعودية العسكرية تنهار في سورية
بعد أن استبدلت إئتلاف الدوحة وإسطنبول بإتلاف الرياض الذي يرئسه تاجر المخدرات العميل المدعو ‘جربا’، وطردت الإخوان المسلمين من صفوفه، أعد الأمير السعودي ‘سلمان بن سلطان’ في الأردن مخططا باستراتيجيتين:
الإستراتيجية الأولى، تقتضي إنجاز هجوم كاسح من قبل عصابة التكفيريين القادمين من تركيا على الساحل السوري وصولا إلى مدينة اللاذقية، والقيام بمجازر وحشية ضد المدنيين العلويين القاطنين بهذا الشريط، نظرا لرمزية المنطقة باعتبارها مسقط رأس الرئيس بشار السد، ليدر السوريون أن النظام غير قادر على حماية طائفته، فأحرى أبناء الطوائف الأخرى.
نجح الهجوم البربري في تحقيق بعض من أهدافه، ويجب الإعتراف أن القيادة السورية أخطأت التقدير حين أهملت هذه المنطقة ولم تعززها بما يلزم من حماية، وقد تكون هناك أخطاء جسيمة أرتكبت على مستوى الإستخبارات، التي لم تتوقع هذا الهجوم، ولم تدرك أهدافه، وابعاده، إلا بعد أن سقط عديد الضحايا، وتم دفن المدنيين الأبرياء في عدد كبير من المقابر الجماعية التي ضم بعض منها حوالي 200 سوري بين نساء وأطفال وشيوخ وشباب لتغطية الجريمة.
وبسرعة فائقة، استدرك النظام هذا التقصير، فنظن حملة عسكرية مكثفة على كامل المنطقة، نجح من خلالها في تطهير مدن وقرى وريف اللاذقية من فلول المجرمين الوهابيين. ووضع ما يلزم من قواة ومتطوعين في اللجان الشعبية لضمان عدم تكرار ما حصل.
الإستراتيجية الثانية، تقتضي تنظيم هجوم منظم على عدة محاور بعدة فرق مدربة ومسلحة بشكل جيد، تسللت من الأردن إلى الغوطة الشرقية بهدف دخول دمشق وإحتلال بعض أحيائها وإشعال حرب شوارع بالعاصمة لما لها من رمزية لدى النظام.
غير أن هذه المرة، كانت المخابرات والجيش بالمرصاد، فأحبطوا الهجوم في مناطق الغوطة الشرقية بشكل إستباقي فاجأ الأعداء، وبهجوم كاسح على عدة محاور وجبهات بقوة نيران كثيفة أربكت التكفيريين، وقطعت أواصر التواصل والإمدادات بينهم، فكان أن أطلقت جماعة إرهابية صاروخين محملين بمواد كيماوية سامة، تسببت في قتل عدد محدود من المدنيين، بهدف حرف الأنظار عن إنتصارات الجيش العربي السوري، ومحاولة تدويل إتهام النظام السوري باستعمال الكيماوي ضد المعارضة.
وهي القضية التي أسالت مدادا كثيرا ولا تزال، وبرغم تقديم روسيا لوثائق وصور القمر الصناعي التي تثبت أن إستعمال الكيماوي كان من قبل المعارضة وليس النظام، وبرغم نجاح الجيش العربي السوري في السيطرة على مخزن للمواد الكيماوية كانت تستعمله المعارضة في المنطقة، إلا أن الإدارة الأمريكية، وإن لم تتهم النظام صراحة، قالت أنها تنتظر تقارير ميدانية من مخابراتها للتأكد من الأمر، كما أن بريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية على لسان وزير خارجيتها ‘سعود الفيصل’ طالبوا جميعا مجلس الأمن بإصدار قرار تحت الفصل السابع يدين النظام السوري لإستخدامه السلاح الكيماوي ضد المعارضة.
هذا في الوقت الذي ذهبت فيه بريطانيا ووزير خارجية فرنسا ‘فابيوس’ حد التلويح بالتدخل العسكري لوضع حد نهائي لمعاناة الشعب السوري من دون قوات برية، وفق قولهم، لكنه لم يوضح كيف سيكون ذلك، ما يؤشر إلى أن طبول الحرب بدأت تقرع على إيقاع “الكيماوي”، وفي حال فشلت هذه الذريعة فورقة ‘الإرهاب” الدي أصبحت سورية معقلا دوليا له ويهدد الأمن والسلم في العالم جاهزة كدريعة لتدخل عسكري محتمل. وقد تفتعل إسرائيل ذرائع بهجومها على أهداف داخل سورية لأستدراجها للرد فتنفجر الحرب المرتقبة.
المرحلة الثالثة : التحضير للحرب
بعد فشل المرحلة الأولى التي قادتها قطر وتركيا، وفشل المرحلة الثانية التي قادتها السعودية والأردن وإسرائيل، بدأت التحضيرات للحسم العسكري على قدم وساق، وهو ما أوحى به تصريح وزير خارجية فرنسا المشار إليه آنفا.
وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر أمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي ‘باراك أوباما’ بدأت الخميس 22 أغسطس/آب، بحث هجوم عسكري بتكتيكات مختلفة ضد سورية. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادر رفيعة المستوى، أن مسؤولين كبارا من البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات عقدوا الخميس اجتماعا في البيت الأبيض استمر 3 ساعات ونصف لبحث الخيارات المطروحة التي قالت المصادر أن من بينها غارة بصواريخ مجنحة أو حملة جوية مكثفة ضد سورية.
وقالت الصحيفة، “أن البنتاغون قد نشر في الشرق الأوسط وأوروبا طائرات قتالية منها مقاتلات وقاذفات، يمكن استخدامها في حملة ضد سورية. وتابعت أن: “من بين الأهداف التي قد تضربها الطائرات الأمريكية، الصواريخ ومنصات إطلاقها، بالإضافة إلى المواصلات ومنشآت البنية التحتية ومقرات الجيش والحكومة”.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين قولهم إن هناك انقساما في الإدارة الأمريكية، حيث يرى البعض أنه يجب اتخاذ خطوات عاجلة، بينما يعتبر آخرون أن الوقت الراهن “سيء جدا” للعمل في سورية. لكن لم يصدر بعد أي قرار نهائي بشأن الهجوم من عدمه وتوقيته، في إنتظار ما تقول واشنطن أنها قد تحصل قريبا على تأكيدات من مخابراتها ومخابرات الدول الحليفة بشأن إستعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد المعارضة.
فيما تقول مصادر أخرى، أن ‘أوباما’ أصبح لديه اليوم ذريعة قوية لضرب سورية تتمثل في الخطر الذي أصبح هذا البلد يشكله على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وعلى الأمن القومي الأمريكي خاصة، بعد أن تحولت سورية إلى أكبر بؤرة للإرهابيين في العالم.
أما وجه الحرب المقبلة فلن تكون برية، بل ستقتصر على الهجوم الجوي بالصواريخ الذكية بعيدا عن المجال الجوي السوري، وبصواريخ ‘كروز’ المجنحة. وستدخل الحرب مباشرة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل دون الدول العربية. وحين يتم تدمير سورية بالكامل، يمكن لتحالف من جيوش المنطقة أن يدخل إلى سورية بهدف تنظيفها مما تبقى فيها من إرهابيين، وإقامة نظام جديد يكون تابعا للملكة الوهابية وحليفا لإسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة للبنان الذي سنتحدث عنه بعد قليل.
وتجذر الإشارة إلى أنه سبق لنائب مدير المخابرات المركزية، أن أدلى قبل أيام بتصريح مثير قال فيه: أن “سورية أصبحت تمثل أكبر تجمع للإرهابيين في العالم، ما يشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي الأمريكي وعلى أمن وإستقرار الحلفاء في المنطقة وأوروبا”. وزاد الماء بلة تصريح الأخضر الإبراهيمي قبل يومين، حين أعلن: أن “سورية أصبحت تشكل أكبر خطر يتهدد الأمن والإستقرار في المنطقة والعالم”.
ومباشرة بعد أجتماع ‘أوباما’ بكبارا المسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية و وكالات الاستخبارات، تقرر إرسال مدمرة أمريكية حاملة لصواريخ “كروز” المجنحة إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط لتنضم إلى البوارج الأمريكية الحربية الثلاثة المرابطة هناك قبالة السواحل الإسرائيلية. وهو ما اعتبر مؤشرا جديا للتحضير لضربات مركزة ضد أهداف سورية تم وضع الخطط التفصيلية لها. هذا بموازات البطاريات المعترضة للصواريخ الباليستية وسرب طائرات ‘الإف 16′، وكوماندوس المارينز المتواجدين على الأراضي الأردنية في أماكن قيل أنها سرية، في إنتظار الأوامر للتدخل في سورية بهدف السيطرة على مخازن السلاح الكيماوي في مناطق مختلفة من البلاد بمعية فرق خاصة بريطانية وفرنسية وإسرائيلية.
ويذكر أن رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة الجنرال ‘مارتن ديمبسي’ قد قام بزيارة للأردن وإسرائيل، هذا الأسبوع، فيما قيل أنها زيارة لمساعدة هذين البلدين الحليفين على إحتواء تداعيات الحرب السورية. و التقى ‘ديمبسي’ مع العاهل الاردني الملك عبد الله ومع نظيره الاردني الاربعاء، وقال انه سيحمل طلبا من عمان الى واشنطن للحصول على طائرات مراقبة امريكية للمساعدة في مراقبة الحدود الطويلة مع سوريا.
كما أن الإدارة الأمريكية أعلنت قبل يومين، أنها بصدد التحضير لجولة من الإجتماعات مع حلفائها في لندن وباريس وعمان تل أبيب، لإجراء مشاورات مكثفة حول سبل حسم الصراع في سورية، ما يعني دراسة خطط الحرب القادمة والتنسيق فيما بين الحلفاء وتوزيع الأدوار والمهام. وتشير معلومات إلى أن دول الخليج هي من ستمول الحرب من مبتداها إلى منتهاها حتى لو شمل التفجير المنطقة ودخلت إيران أتون الصراع.
وتجري الولايات المتحدة وإسرائيل اليوم تدريبات بشكل يكاد يكون دائما منذ فترة، بهدف إعداد الجيش الإسرائيلي للتطورات المقبلة في المنطقة. كما وتقوم بتزويدها بشحنات السلاح والصواريخ والذخيرة لتخزينها، لأن هناك إعتقاد بأن الحرب قد تكون طويلة.
مدير وكالة المخابرات الأمريكية “جون برينان” بدوره، يقوم بجولة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وتأتي هذه الجولة في وقت تتعرض فيه السياسة الامريكية لانتقادات واسعة داخل الولايات المتحدة، وفشل لمخططات واشنطن وبرامجها في المنطقة، وخصوصا في سورية. وذكرت دوائر دبلوماسية مطلعة لوسائل إعلام، أن جولة مدير المخابرات الامريكية تشمل السعودية واسرائيل والبحرين والاردن والامارات وتركيا والمغرب وتونس، وهي دول تشارك الولايات المتحدة سياساتها وتتعاون معها في تنفيذ برامجها.
وأضافت الدوائر أن جولة المسؤول الأمني الامريكي تأتي أيضا في ظل ارتفاع مستوى التهديدات للمصالح الامريكية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وأفادت الدوائر ذاتها أن مدير المخابرات الامريكية سيناقش مع حلفاء واشنطن خلال جولته “الازمة السورية” وما يجري من “اضطراب أمني” في مصر والاوضاع المتوترة في “لبنان” والتعاون بين الولايات المتحدة وأنظمة الدول التي سيزورها لمكافحة “الارهاب”؟! لإعتقاده أن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة العربية ستكون محل إستهداف في الأسابيع القادمة.
الصهاينة يحذرون رعاياهم في العالم
وفي نفس السياق، نشر مكتب ‘مكافة الإرهاب الصهيوني’ الأسبوع الماضي، على موقع “تايمز اوف اسرائيل”، نقلا عن بيان لمجلس الأمن القومي الاسرائيلي بأن: “اهدافا يهودية واسرائيلية في كل انحاء العالم قد يستهدفها ارهابيون في الأسابيع القليلة المقبلة”. وجاء في البيان تحذيرا حادا، غير مسبوق، لجميع اليهود في العالم، يطالبهم بعدم السفر الى دول عربية وإسلامية معينة، ويحث المتواجدين فيها بمغادرتها فورا.
البيان إدعى أن هناك تهديدات خطيرة بأعمال إرهابية جد محتملة ستطال عشرات الدول في العالم بدرجات متفاوتة الخطورة، من عالية إلى عالية جدا. خصوصا في صفوف رجال الأعمال الإسرائيليين والمسؤولين الحكوميين السابقين الذين يعتبرون أهدافا محتملة لإغتيالات أو إختطاف. وذلك بسبب ما أسمته بـ”الوقائع الأمنية المعقدة في البلدان المتاخمة لإسرائيل”، في إشارة إلى سورية ولبنان ومصر.
ومن الدول التي تمثل خطورة لتواجد الإسرائيليين بها: الأردن، سورية، لبنان، العراق، إيران، مصر (خصوصا منتجعات سيناء والبحر الأحمر)، المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، قطر، السودان، الصومال، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، جيبوتي، موريتانيا.
كما شمل التحذير الاسرائيلي “بدرجة تأهب عالية جدا” من تهديدات الإرهاب في أفغانستان، وأجزاء من جنوب تايلند، وأخرى من جنوب الفيليبين وشرق السنغال ومقاطعة كشمير في الهند وشمال نيجيريا وأجزاء من كينيا والشيشان وأندونيسيا وبوركينا فاسو وساحل العاج وتوغو ومالي وماليزيا وباكستان، مع توجيه بعدم السفر إلى أي من تلك المناطق، وتركها على الفور في حال لم تكن هناك ضرورة للتواجد هناك.
وحذر مكتب مكافحة الارهاب الاسرائيلي من تهديدات إيران وحزب الله اللبناني، على اعتبار ان تهديداتهما ما زالت مستمرة ضمن «حملة الإرهاب العالمي» ضد أهداف إسرائيلية ويهودية. وأشار إلى أن إيران لا تزال مصرة على الثأر من «المسؤولية الإسرائيلية المزعومة لقتل القيادي في (حزب الله) عماد مغنية في دمشق خلال تفجير سيارته في عام 2008، ومقتل ثلاثة من العلماء النوويين الايرانيين».
غير أن أحد الخبراء الأمنيين المغاربة، استبعد في حديث خاص جمعنا ببروكسيل الجمعة، أن يكون لمثل هذا التحذير علاقة بالإنتقام لمقتل عماد مغنية عام 2008، وأشار إلى أن هذا الربط “الغريب” يخفي ما هو أخطر من ذلك بكثير، خصوصا مع إدراج إسم المغرب لأول مرة في قائمة الدول المحتمل أن تقوم بها عمليات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية، نظرا لدرجة الأمن العالية وعدم وجود مؤشرات لدى المخابرات المغربية يشير إلى مثل هذا الإحتمال ولو بدرجة ضعيفة جدا.. خصوصا وأن آلاف اليهود المغاربة المتواجدين بإسرائيل والعالم، يتمتعون جميعهم بجنسيات أوروبية وأمريكية وكندية وغيرها، تسمح لهم بالقدوم إلى البلاد عبر مطارات دول العالم، خاصة باريس ولندن ونيويورك ومونتريال. وبالتالي، معظمهم يدخلون إلى البلاد بصفتهم الأوروبية والأمريكية لا الإسرائيلية.
وهو ما جعلني من هذا التحذير، أن إسرائيل تستعد للقيام بمغامرة عسكرية كبيرة جدا في المنطقة من شأنها إثارة مشاعر العرب والمسلمين ضدها في العالم العربي والإسلامي، ما يذكرنا بما يفوق التحذيرات التي أطلقت في حرب الخليج الثانية وحرب لبنان سنة 2006.
الفتنة المذهبية في لبنان
وفي إطار ذات الخطة التي تقتضي إشعال جبهات دمشق بحرب طاحنة، بدأ العد العكسي للتفجير في لبنان تحضيرا لإشعال فتنة سنية شيعية تؤدي إلى إشغال حزب الله في حرب داخلية مع التكفيريين القادمين من الشمال، لتقوم إسرائيل بالهجوم على معاقل حزب الله في الجنوب بما يقال أنها ستكون حربا خاطفة ومركزة ومدمرة لسحق حزب الله، تستعمل فيها إسرائيل كافة الأسلحة النوعية والمتطورة بالإضافة لعديد فرق الجيش الصهيوني المدربة، وفرق من التكفيريين وفرق من عرب 48 الذين حضرتهم إسرائيل للهجوم على معاقل الحزب في الجنوب بغطاء جوي مكثف من الجيش الإسرائيلي.
وتقول بعض المصادر، أن التفجيرات الأخيرة التي تمت في الضاحية وطرابلس مؤخرا، ما هي إلا حركات تسخينية، ستتبعها إفتعالات أمنية تصعيدية هنا وهناك، لكن الفتنة السنية الشيعية سيتم إشعالها عبر هجوم كاسح من الشمال إلى الجنوب عند قرب ساعة الصفر لإنطلاق العملية العسكرية ضد سورية، وسيكون التفجير هذه المرة أكبر من سيارة مفخخة، بحيث قد يكون عملية إغتيال لشخصية ‘سنية’ كبيرة من تيار المستقبل، لتقدم كطعم لمحرقة تشعل لبنان، ما سيسهل على إسرائيل دخول المعركة ضد حزب الله وهو منشغل داخليا ومطوق خارجيا من كل جانب.
لذلك، لا نعتقد أن دعوة الرئيس ‘ميشال سليمان’ الأفرقاء اللبنانيين السبت، لطاولة الحوار وتأليف حكومة وطنية لإنقاذ البلد، سيكون لها صدى لدى تيار المستقبل الذي يشترط إنسحاب حزب الله من سورية، وهو ما يرفضه سماحة السيد ويصر أن يقاتل بنفسه هناك إن تطلب الأمر. كما أن تيار المستقبل وحلفائه في 14 الشهر منخرطون في مشروع تدمير سورية وسحق حزب الله، وقد أستعاد الجريري كتائبه الأمنية القديمة التي فككها حزب الله في 7 أيار 2008، وأدخل الآلاف من التكفيريين من سورية إلى لبنان منهم عناصر من جبهة النصرة والقاعدة والمعارضة السورية، إستعدادا لساعة الصفر بتخطيط وتمويل وأوامر من السعودية.
الجبهة التركية
وبالنسبة للجبهة التركية، فحسب آخر المعلومات المتداولة في هذا الصدد، فإن الحدود الأردنية ستمثل الواجهة الرئيسية في الاشتبكات القادمة، في حين أن الجبهة التركية مشغولة الآن بالملف الكردي الذي يشكل الخطر الأول ويهدد إستقرار تركيا في حال دخولها مغامرة الحرب في سورية، بالإضافة إلى إنشغالها بالملفات الداخلية مع اقتراب الانتخابات التركية والتي تشكل مسألة حياة او موت بالنسبة لأردوغان، وبالتالي، فهو لا يستطيع المغامرة بدخول حرب ستفقد حزبه موقعه في السلطة على غرار ما حصل لإخوان مصر، مع تصاعد المعارضة الداخلية ضد سياساته المغامرة والمتهورة في سورية وإتهامه بدعم الإرهاب، وتحميله مسؤولية دم الشعب السوري الذي يسيل على يد التكفيريين.
محور المقاومة يستعد للمواجهة
من جهتها، نقلت المخابرات الروسية معلومات الى المسؤولين السوريين عن قرب فتح معركة درعا جديدة عبر الحدود الاردنية وبقرار سعودي وخليجي، والذي ترافق مع حشود كبيرة للمسلحين على الحدود يتم تجهيزهم بأحدث المعدات ويشرف على غرفة العمليات شخصياً نائب وزير الدفاع السعودي كما سبق وأن قالت وكالة “رويترز” بداية الأسبوع. وهذا الهجوم هو غير الهجوم الذي أحبطه الجيش العربي السوري مؤخرا في الغوطة الشرقية لدمشق.
اما القرار السياسي للبدء بالعملية واعلان ساعة الصفر، فهو بيد الامير بندر بن سلطان الذي استطاع إقناع الملك الاردني عبد الله الثاني بفتح الحدود الاردنية مقابل ايفاء ديون الاردن وتقديم مساعدات فورية بقيمة 3 مليارات دولار، وباعطاء ضمانات “للملك” بأن أمن الأردن من أمن الرياض، وفق ما أكدت صحيفة (المنــار) المقدسية نقلا عن مصادرها الخاصة من عمان يوم 24-8-2013. ولذلك اشار رئيس الحكومة الاردنية عبد الله النسور بأن الأردن مستعد لكل الاحتمالات نتيجة تطور الاوضاع في سوريا بما فيها استخدام الاسلحة الكيميائية. والمفارقة ان تصريح المسؤول الاردني جاء قبل 12 ساعة من مجزرة الغوطة الشرقية وسقوط ألف قتيل و9 آلاف جريح.
وتقول المعلومات ان القيادة السورية هي في هذه الاجواء، وان الوزير المعلم أشار الى هذا التطور والضغوط على الأردن في تصريحاته الأخيرة التي ركز فيها على إسرائيل باعتبارها المحرض ورأس الحربة في الحرب التي تشن على سورية وحلف المقاومة، وأن القيادة السورية مع الحلفاء اتخذوا كافة الاجراءات لافشال هذه المحاولة التي ستصيب الأردن وإسرائيل بنتائج كارثية.
إيران تحذر بتفجير المنطقة
في تحذير إستباقي، أكد وزير الخارجية الإيراني ‘محمد جواد ظريف’ يوم 21-8-2013، أن أي تدخل أجنبي في سورية لن يؤدي سوى الى سيلان الدماء في المنطقة، معرباً عن قلقه من انتشار الأحداث في بعض دول المنطقة (في إشارة إلى لبنان)، لأن في ذلك أخطار أمنية أوسع من المنطقة نفسها.
أما رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية ‘علاء الدين بروجردي’، فأكد يوم 24-8-2013، في تصريح نشره موقع ‘بانوراما الشرق الأوسط’، أن حلفاء سورية الإقليميون لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال مهاجمتها، معتبراً أن مهاجمة سورية تعني إضرام النيران في كل الشرق الأوسط وتكرارا لأخطاء الغرب في العراق وأفغانستان.
وقال بروجردي في هذا الصدد: إن “تصريحات بعض مسؤولي الغرب حول مهاجمة سورية ليست تهديدا لسورية فقط انما تهديد لأمن الكيان الصهيوني كذلك”، وأضاف: “الغرب فشل في سورية رغم زجه كل طاقاته ضد حكومة الأسد ودعمه الواسع للإرهابيين”، ولفت إلى أن الهجوم العسكري على سورية يعني بدء حرب واسعة في المنطقة يصعب السيطرة عليها.
لا نريد أن نطيل أكثر، بالرغم من وجود كم هائل من المعلومات حول الحرب المقبلة التي أصبحت أكثر من محتملة، لكننا نشير أن الأمر لا يتعلق هذه المرة بحرب نفسية كما قد يعتقد البعض. الأمر أكثر من جدي، وما يحدث اليوم في المنطقة وما يصدر من تصريحات، وما نلاحظ من تحركات، كلها تؤشر إلى أن الحرب أصبحت حتمية، وأنها قد تنفجر في النصف الثاني من شهر شتنبر/أيلول القادم.
كما أنه في في ظل هذه الاجواء، فإن قرار المواجهة متخذ من قبل سوريا وايران وحزب الله والعراق كذلك، عبر دعم روسي وصيني، وتؤكد المعلومات موثوقة في هذا المجال، ان التواصل قائم بشكل دائم ويومي، بين الرئيس السوري بشار الاسد والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والمسؤولين الإيرانيين والعراقيين والروس، وأنه يتم التشاور بشأن كل الخطوات الواجب إتخاذها.
وبالمناسبة، سبق وأن قلنا في أكثر من مقال منذ أشهر، أن الحل لتجنب الكارثة هو مفاجئة إسرائيل بهجوم كاسح، كان وقتها من الممكن أن يغير معادلات الصراع في المنطقة ويدفع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل نفسها لطلب إيقاف الحرب والجلوس إلى طاولة المفاوضات. لكننا كنا ندرك أن قرار الحرب يومها لم يكن بيد محور المقاومة، بل بيد روسيا التي كانت لها حساباتها.
والآن، هل سنسمع قريبا عن شحنات جديدة لأسلحة متطورة تحملها روسيا لسورية وحزب الله..؟
وهل سنسمع تهديدا جديدا من الرئيس ‘بوتين’ للرئيس ‘أوباما’ وحلفائه بأن روسيا ستدخل الحرب إلى جانب الحلفاء حتى لو تطورت إلى حرب عالمية ثالثة، كما كان يقول قبل أشهر..؟
ألم يقل لبندر بن سلطان في موسكو: “لن تحققوا أهدافكم في سورية..؟”
لننتظر ونرى، لعل ساعة الحسم يجعل الله فيها فرجا كبيرا.
نقلاً عن بانوراما الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة.