نص كلمة السيد / عبد الملك بدر الدين الحوثي في ذكرى عاشوراء 10 / محرم / 1435هـ + صوت.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وخاتم أنبيائه محمد وعلى آله الطاهرين، ورضي الله عن صحبه المنتجبين.

أيها الإخوة الشرفاء.. أيها الإخوة الأعزاء.. أيها الإخوة الأوفياء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

   في هذا اليوم وفي هذه المناسبة، بادئ ذي بدء نُعزي صاحب العزاء، نُعزي رسول الله وأهل بيته الطاهرين، ونُعزي أمتنا الإسلامية في ذكرى استشهاد سبط رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وحفيده سيد شباب أهل الجنة.

   إن خروج الملايين من أبناء الإسلام في عددٍ من شعوب أمتنا في ذكرى هذا المصاب الجلل، والفاجعة العظيمة الكبرى في تاريخ أمتنا هو من الوفاء لرسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، وهو من الوفاء للإسلام ومن الوفاء والعرفان لإمام المسلمين الحسين بن علي عليهما السلام، بما قدمه لأمة جده، وهو أيضاً إعلاءٌ للقيم الإنسانية والمبادئ الإلهية.

   إن إحيائنا لهذه الذكرى هو واحدٌ من تعابير حبنا وولائنا وارتباطنا بسيد الشهداء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله " حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط" وهو أيضاً واحدٌ من تعابير ارتباطنا بالمنهج والرؤية والموقف التي تَحرَّك على أساسها ومن خلالها وبها الإمام الحسين عليه السلام، وهي رؤية القرآن الكريم، وهي منهجية الإسلام العظيم، وهي مسلك رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله.

   وإحياؤنا لهذه الذكرى هو تخليد لنداءات ومواقف الحسين عليه السلام، بكل عطاءاتها وآثارها الإيجابية العظيمة في أنفسنا وواقعنا وبكل ما تُزودنا به في عزمنا، واندفاعنا، وتفاعلنا، وإحساسنا بالمظلومية، وإحساسنا بِعِظَم مأساة الأمة التي استهدفت حينما استهدف الحسين بكل ما يُمثّله الحسين في نهجها القويم، وفي عزها ومجدها، وفي قيمها ومبادئها، ووقع ما وقع من محسوبين عليها، وبتخاذلها، وحدث كلما حدث في كربلاء بكل بشاعته وسوئه وفظاعته وقبحه، في الوقت الذي هي تنتمي للإسلام دين العدل، دين القيم، دين الأخلاق، هذا الإحساس بالمظلومية وبالمأساة وهذا الشعور يحيي فينا روح المسئولية والتفاعل حتى لا نكون كما البعض بلا إحساس، وبلا شعور فلا يتفاعلون مهما كان حجم المأساة، ولا يُدركون مهما كان مستوى الخطر، ولا يَعون ولا يفهمون مهما كان حجم المؤامرات، ولا يتحركون مهما كان حجم المسئولية، كما هو حال ميت الأحياء.

   وإحياؤنا لهذه الذكرى تعبيرٌ أيضاً عن موقفنا المبدئي الإيماني الديني ضد الظلم والظالمين في كل زمان ومكان، وتجاه أفظع جريمة في تاريخ الأمة، وداخل الأمة على أيدي محسوبين عليها، من يستسيغها يمكن أن يستسيغ ويتقبَّل ويشرعن أي ظلمٍ، وأي فسادٍ، وأي إجرامٍ، وأن يقدِّسه، فالذين يقدسون من مضى من الظالمين هم اليوم أنصار الظلم وحملة رايته في حاضر الأمة.

 تلك الجريمة التي فتحت أبواب الشر كلها على الأمة وكانت فاتحة سوء داخل الأمة، لأنه حينما استهدف الحسين سبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة بكل ما له من قداسه، وبموقعه العظيم في الإسلام، وبمكانته الكبيرة كرمزٍ للأمة، وهادٍ في درب جده المصطفى محمد صلوات الله عليه وعلى آله، ووريثٍ لجده خاتم النبيين، يمثِّل قيم الإسلام، ويحمل مبادئه، ويرفع رايته، بعد ذلك لم يبق شيءٌ من المقدسات والحرمات يتحاشى الطغاة والظالمون من المساس به، ولذلك عَمِدوا بعد قتله عليه السلام إلى استباحة مدينة جده رسول الله وقتلوا من تبقى فيها من المجاهدين في وقعة بدر ثأراً للكفر والكافرين، واستباحوا فيها حرمة الدم، وحرمة العرض، وحرمة المال، لثلاثة أيامٍ متوالية، وأحرقوا الكعبة المشرفة ودمروها آنذاك فيما بعد، وهكذا بلغ الحال بهم، وحينها لم يبقَ أي قيمة للأمة لديهم, ولا لدينها، ولا لمقدساتها، ولا لرموزها، فحكموها بمنهجية الطغيان " اتخذوا دين الله دَغلاً" فأفسدوا القيم، وقوِّضوا الأخلاق، وحرَّفوا المفاهيم، وزيفوا الوعي، وقلَّبوا الحقائق، وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل "واتخذوا عباد الله خولاً" فاستعبدوهم وسخّروهم لخدمتهم ومصالحهم.

 ومظاهر الإستعباد والسُخرة للأمة من جانب حكّام الجور والظالمين متعددة وعلى كل المستويات، على المستوى العسكري وفي ميادين القتال، حيث يدفعون الكثير من الناس للقتال والقتل في سبيل تقوية أمرهم، واستحكام سلطانهم، وتعزيز هيمنتهم، وسطوةً منهم بالمستضعفين، وظلماً للمظلومين، وبطشاً بالصالحين، وتنكيلاً بالأحرار، وإذلالاً للناس، وإنفاذاً لأمرهم الباطل فيما ليس لله فيه رضى، ولا للأمة فيه خيرٌ ولا مصلحة، وعلى المستوى الثقافي والفكري، حيث يدفعون بعلماء البلاط ووعاظ السلاطين بتحريف المفاهيم وشرعنة الظلم، وتدجين الأمة باسم الدين، وإبعادها عن النهج القويم، وعلى المستوى الإعلامي، حيث يدفعون البعض ليكونوا أبواقاً لهم، وألسنة سوءٍ كاذبة، فينشرون الشائعات الباطلة والأكاذيب، ويقولون الزور والبهتان، ويزيفون الواقع والحقائق، ويكتبون بأقلامهم المأجورة كذلك، خدمةً وسُخرةً وشكلاً من أشكال العبودية للطغاة.

    "واتخذوا مال الله دولاً" فينهبون خيرات الأمة، وثروات الشعوب، ويستأثرون بالمال العام، ويتداولون به في مصالحهم الشخصية على سبيل الترف والإسراف، ولشراء الولاءات والمواقف، وشراء الذمم، ويتركون الأمة تعاني ويلات الفقر، ونكد العيش، والمعانات بكل أشكالها.

   وهكذا مضى واقع الأمة الإسلامية على امتداد التاريخ منذ استحكام القبضة الأموية على سلطان الأمة وإلى اليوم، إلاّ في الحالات النادرة والمحدودة والإستثنائية، ولو لا أنَّ الإمام الحسين عليه السلام واجه مسلك الإنحراف الذي بلغ ذروته بقبول الكثير من أبناء الأمة أن يتولى يزيد بما اشتهر به من الفجور، والفساد، والخمر، والسكر، والجهل، والاستهتار بالدين وغير ذلك أمر الأمة، ويحكمها ويتحّكم بها، لولا الإمام الحسين أنه واجه هذا المسلك لطمست معالم الإسلام فلا يبقى لها أثر، ولكن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضمنت للإسلام استمراريته، وأنقذت المجتمع الإسلامي من التناسي العام والمطلق للقيم والمبادئ، ولذلك فهي ثورة العدل في مواجهة الظلم، وثورة الخير في مواجهة الشر، وثورة الحق ضد الباطل، وثورة الأخلاق والقيم على الطاغوت المفسد في الأرض.

 وفي كل نداءات الإمام الحسين وخطاباته التي وجهها إلى أمة جده منذ بدء حركته أوضح الأسس والمعالم المنبثقة عن منهج الله والقائمةِ على أساسٍ من هدي الله ونوره، أوضح خطورة الظالمين على الأمة، على حياتها، على معيشتها، على أمنها، على استقرارها، على عزها، على كرامتها، فقال عليه السلام " ألا وإن الدنيا قد تغيرت وتنكَّرت وأدبر معروفها واستمرَّت جداً فلم يبقَ منها إلى صبابةٌ كصبابة الإناء، وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا بَرماً" هذه الرؤية التي مثّلت حقيقة القرآن، حقيقة منهج الله، أن الحياة تسوء عندما يُهيمن الظلم والظالمون، وأنه لا بد في مواجهة استحكام الشر ولدفع الظلم والطغيان والفساد من التحرك الجاد، والموقف الصادق، والتضحية والعطاء، والصبر على تحمل أعباء المسئولية الذي هو في الواقع أيسر من الصبر على أعباء ونتائج التفريط والتقصير، وهذا ما يجب أن تَعِيَهُ شعوب أمتنا اليوم التي ترزخ تحت وطأة الظلم والظالمين، وهي متطلِّعة الآن إلى التحرر وإلى الخروج والإنعتاق من أسر المعاناة والإضطهاد والقهر، رؤية القرآن التي علمتنا أنه لا بد أن نتحرَّك، أن نثور، أن نقف الموقف الجاد والصادق، أن نتحمل المسئولية، أن نعمل على تغيير الواقع، على دفع الظلم والفساد والإجرام، على مواجهة الشر بكل الوسائل المشروعة، وبكل الأساليب التي هي إيجابيةٌ وصحيحةٌ وسليمة، الله سبحانه وتعالى هو القائل لنا (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) هكذا هي تعاليم الله لنكون في واقع المسئولية، في موقع الفعل أمةً تأمر وتسعى لتحقيق ما تأمر به، وإنفاذ ما تأمر به، وفرض ما تأمر به، وهو المعروف بكل دائرته الواسعة، ومن أهم ما في المعروف، هو العدل، والرحمة وبقية القيم العظيمة والمثلى (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وأمةً من موقع المسئولية فعلاً وعملاً ومشروعاً جاداً لمواجهة المنكر، والوقوف بوجه أهله بكل الوسائل المشروعة، وفي مقدمة المنكر الظلم والإجرام بكل أشكاله ووسائله وأساليبه، هكذا يريد الله لنا أن نكون.

 وهكذا يريد الله لنا أن نستبصر، أن نعيَ خطورة هيمنة الطغاة والمجرمين على الأمة من موقع القرار والحكم، وما يترتب على ذلك من مفاسد وهدم لمبادئ الدين، والأخلاق، والقيم، وعلى واقع الحياة، ولما يسبب من غياب العدل والإستئثار بمقدرات الأمة وتوظيفها لضربها، كيف تقبل أمة الإسلام التي تدين بالإسلام، وتنتمي إلى القرآن أن يحكمها ظالمون.؟ وأن يسيطر على أمرها مجرمون فاسدون.! وأن يتحكم بها وبقرارها وبرسم مستقبلها ومصيرها مستبدون طغاة.! وهي الأمة التي قرأت القرآن، آيات الله التي تلعن الظالمين، وآيات الله التي تُقدِّم الطغاة والظالمين على أنهم مسلوبي التوفيق والهداية (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (واللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) ألم تكن النتيجة هي كل هذه الويلات والمعاناة في واقع الأمة نتيجة هيمنتهم، ونتيجة سيطرتهم.

   لذلك يجب أن نعيَ أيها الإخوة الأعزاء ونحن نعيش أجواء هذه الذكرى ونستفيد من الإمام الحسين عليه السلام الدرس المطلوب في أن الإنتماء الصادق والواعي لمبادئ وقيم القرآن والإسلام والمشروع الإلهي القائم على العدل يفرض ويُحتِّم الموقف ضد الظلم والطغيان والفساد، هو مسئولية، هو عبادة، هو فريضة، هو قربة، هو ضرورة لصلاح الحياة واستقرار الحياة، ويُحتِّم علينا  المسئولية في السعي الجاد والعمل لإقامة العدل في الحياة، والخير في الأرض، هكذا أمرنا الله، هكذا هو ديننا وأساس ديننا، يقول الله سبحانه وتعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) لا مكان في الإسلام للإستكانة والخضوع للظالمين، لا مكان للكسل والتنصل عن المسئولية، لا مكان للاستسلام لهيمنة المتجبرين والفاسدين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) بكل ما تعنيه العبارة من موقف، وعمل، واستمرار، وتكرار، ولله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) في آية أخرى (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) فالقسط مسئوليتكم، والقسط أساسٌ في دينكم، والقسط هو صلاحٌ لحياتكم، وبناءٌ لواقعكم (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) لأن القسط لا يتحقق في واقع الحياة، والعدل لا يقوم في واقع الحياة، إلا حينما تسعى الأمة لإقامته ولو واجهت الظالمين، ولو وقفت بوجه المستكبرين، وهكذا تحرك الإمام الحسين عليه السلام بكل المبادئ والقيم اللازمة للقيام بهذه المسئولية، صحيح هذه المسئولية لا يمكن أن تتحرك الأمة بها إلا من خلال تلك القيم وتلك المبادئ التي هي إنسانية، وهي قرآنية، وهي إلهية، في مقدمة هذه القيم العزة والإباء، لأن الأمة التي تُذعن للظالمين، وتخنَع للمستكبرين، وتستسلم للطغاة، وتستسلم لهيمنتهم، وتقبل بالإذلال والهوان، إنها أمةٌ فقدت قيمة من أهم قيم الإيمان، وهي العزة والإباء (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) هكذا يقول الله سبحانه وتعالى، وهذه القيمة ترجمها الإمام الحسين عليه السلام في يوم العاشر من محرم، وقد وقف مخيّراً بين خيارين " بين الذلّة وبين السِلّة" فنادى عليه السلام " هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون" هذه قيمة من القيم التي تبني الأمة لتكون في مستوى المسئولية لإقامة القسط، والوقوف بوجه الظلم والظالمين، والطغاة والفاسدين.

ووهكذا تحرك الإمام الحسين عليه السلام بالقيم وبالمبادئ، ونادى ليذكّر الأمة بما قاله جده المصطفى محمد صلوات الله عليه وعلى آله "من رأى سلطاناً جائراً مُستحلاً لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقاً على الله أن يُدخله مُدخله" وأين مُدخل سلاطين الجور.؟  وأين مصيرهم عند الله.؟ . إنه جهنم، جهنم التي توعّدهم الله بها، ومعهم سيحشر الله سبحانه وتعالى كل الذين سكتوا وساعدوهم وأعانوهم بسكوتهم وتنصُّلهم عن المسئولية، وخنوعهم، وخضوعهم، واستسلامهم، فكان المستفيد من تنصُّلهم عن المسئولية، ومن سكوتهم وخضوعهم هم سلاطين الجور، وهم ملوك الطغيان، وهم زعماء الباطل والظلال، إن هذا النص النبوي الذي نادى به الحسين عليه السلام في أوساط أمة جده ليذكّرها بالمسئولية، في ضرورة التغيير، وفي ضرورة الوقوف بوجه السلطان الجائر كفريضة وكمسئولية، وكمبدأ أساسٍ في دين الله إذا ترسخت ثقافته للأمة مبدأً وعقيدةً وإيماناً، ورؤيةً تتحرك على أساسها فهي ضمانةٌ لانعتاقها وتحررها من سيطرة الظالمين.

   اليوم كل أوجاع أمتنا ومعاناتها وما تلاقيه من ظلمٍ وإذلالٍ وهوان، هو نتيجة أن المتحكِّم في أمرها وقرارها ومصيرها الطغاة عديمو الرحمة، والمجرمون المستهترون، وإن ثقافة القرآن وتعاليم الله والفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها تَبني الأمة أخلاقياً، وتجعل لها سياجاً من القيم يحميها، ويحول دون تَقبُّل المجرمين الظالمين الفاسدين ليحكموها ويتحكموا بها، بل تلك المبادئ وتلك الأخلاق وتلك القيم تفرض على الأمة أن تلعن الظالمين، وتنبذ الظالمين، وترفض الظالمين، وتمقت الظالمين، ولا تجعل من نفسها ساحةً لهيمنتهم يفسدون فيها ويمارسون فيها تظلمهم.

   وإنه في زماننا وعصرنا فإن الطغيان الفرعوني اليزيدي متمثلٌ في طغيان أمريكا وإسرائيل بحق أمتنا الإسلامية، وبحق شعوب الأرض كافة، طغيان يزيد نراه ممارسةً أمريكيةً في طائرات بلا طيار وهي تقصف أبناء أمتنا وأبناء شعبنا في بلدنا اليمن وفي غير بلدنا اليمن، تقتل الكثير، أطفالاً، ونساءً، كباراً، وصغاراً، نرى الممارسة الأمريكية في الطغيان اليزيدي، نراه في القواعد الأمريكية في أرضنا اليمن وفي غير اليمن التي تهدف إلى استحكام القبضة الأمريكية على شعوب أمتنا، وعلى مقدراتها، وعلى قرارها السياسي، نرى الطغيان اليزيدي متمثلاً في محاولة أمريكا الجديدة لبناء سجنٍ أمريكيٍ في جزيرة سقطرة، هذا الخبر الجديد الذي سمعناه من خلال وسائل الإعلام، وهو خطوة خطيرة، هو شكلٌ سيءٌ من أسوأ أشكال الإمتهان والإذلال لشعبنا اليمني، لا يجوز.

إنني أدعوا كل أبناء شعبنا اليمني، كل الأحرار، وكل الشرفاء، وأناشد كل القوى السياسية أن لا تقبل بهذا أبداً، هل بعد هذا من هوان.؟ أن يأتي الأمريكيون وأن يبنوا لهم سجوناً على أرضنا وفي بلدنا فيذهبون بالآلاف ليكون شكلاً جديداً لسجن جوانتاناموا وسجن أبو غريب، هل سيقبل شعبنا اليمني بأن تتكرر فضائع سجن أبو غريب، أو سجن جوانتاناموا في سجنٍ جديد يقال له سجن سقطرة.؟ هل سيقبل أي حر أو شريف أو من في نفسه ذرةٌ من إباء أو ذرةٌ من عزة بهذا.؟.

   إنني أناشد القوى السياسية أن لا تكون هي المطية التي تمتطيها أمريكا لتفرض هذا على الشعب اليمني وعلى بلدنا اليمن، لا يجوز لأي قوة سياسية، وأنا أتوقع كما كان سابقاً من حزب الإصلاح أنه في كل خطوةٍ أمريكية جديدة فيها امتهان للشعب، وانتهاك لسيادة البلد، يقومون هم بالدور الأكبر بين أوساط الشعب اليمني في محاولة تكميم الأفواه، في محاولة تخذيل وتثبيط الناس عن تبني واتخاذ أي موقف، أتوقع منهم حتى تجاه هذه الخطوة أن يسلكوا مسلكهم الخاطئ في تثبيط الشعب اليمني، وفي إلهائه بمعارك ومشاكل أخرى تجعل الشعب لا يتنبأ لخطورة ما تعمله أمريكا في أرضه وبه مما يمثّل أكبر خطورة عليه، على عزته وكرامته، وأمنه واستقراره، وعلى مستقبله.

إنني أنصح قادة حزب الإصلاح، وأنصح كل العقلاء فيه أن لا يكونوا هم البوق الذي تنفخ فيه أمريكا بصيحاتها وتضليلها ليبرروا للشعب اليمني كل جريمة تعملها أمريكا، وكل خطوةٍ سيئةٍ تقدم عليها أمريكا، ليس من مصلحتكم ذلك، ستخسرون. تخسرون عند الله، وتخسرون عند هذا الشعب الذي سيكتشف في يومٍ من الأيام سوء ما عملتم والأثر الباطل والسيء والفظيع لما فعلتم وقدمتم.

   لا يجوز لا لحكومة السبت ولا لأي قوة من القوى السياسية أن تحاول أن تبرر لأمريكا ما تفعله في بلدنا، يجب أن يتحرك شعبنا اليمني وبكل جدية للعمل على طرد المارينز الأمريكي من القواعد الجديدة في بلدنا، ومن صنعاء نفسها، يجب أن لا يسمح الشعب اليمني للأمريكيين للإستمرار في خطواتهم الإجرامية، إن هذه الخطوة الرامية إلى بناء سجنٍ جديد تُنتهك فيه شرف وكرامة الشعب اليمني هي خطوة لم يكن ليَقدِم عليها الأمريكيون لولا التغاضي الذي لاحظوه عند كثيرٍ من القوى عن تواجد المارينز في اليمن، وبناء قواعد عسكرية في اليمن، ذلك التغاضي هو الذي شجعهم على التفكير في الإقدام على هذه الخطوة السيئة.

إن الأمل كل الأمل ليس في القوى السياسية التي لا تلتزم القيم ولا الأخلاق ولا المبادئ في ممارستها السياسية، وكيدها السياسي القذر.

   إن الأمل كل الأمل هو في كل أبناء شعبنا اليمني الأحرار الذين ليسوا مرتهنين لا لسياسات معينة، ولا لانتماءات حزبية معينة أسرتهم وقيدت حريتهم عن تبني المواقف الصحيحة والسليمة، بقدر ما تُمثل أمريكا وإسرائيل الطغيان الفرعوني اليزيدي فإن الدور الذي يقوم به عملاء أمريكا وجلادوها وأزلامها وخدامها ممن هم على شاكلة ابن زياد، هو نفس الدور الذي مارسه ابن زياد في خدمة يزيد.

 ذلك الدور القذر في الإضرار بالشعب اليمني، شكلٌ من أشكال هؤلاء هي القوى التي كانت قوىً متسلطةً مستبدةً من موقعها في الحكم، تظلم الشعوب وتقهر الشعوب، وتُهين الشعوب، وتُذل الشعوب، وعطَّلت دور الأمة الإسلامية عن أن يكون له دور مهم وحضاري وبنّاء في واقع الحياة على مستوى العالم، عطّلوا دورها بالكامل وحولوها إلى أمة مرتهنة يسومونها سوء العذاب.

   شكلٌ آخر هو سيئةٌ أخرى من سيئات أمريكا مثلما قوى الإستبداد والعمالة شكل آخر، هم التكفيريون الذين نراهم اليوم أداةً قذرةً أخرى تمسح بها أمريكا كل أوساخها، وتنفّذ بها الكثير من مؤامراتها في بلداننا وشعوبنا، ونرى اليوم محاولةً أمريكيةً إسرائيليةً صهيونيةً لتحريك أولئك والإتيان بهم، أجانب من أقطار متعددة من الأرض إلى بلدنا اليمن.

 إن الإتيان بأولئك الأجانب بقدر ما هو انتهاك لسيادة الشعب اليمني، كيف يمكن أن يقبل أن يأتي أجانب من خارج البلد بأسلحتهم ليتمترسوا ويقتلوا اليمنيين، ويقتلوا اليمني في أرضه، ويستهدفه في بيته ومنزله، أجنبي من خارج البلاد.! إن هذا بقدر ما هو انتهاكٌ لسيادة البلد، وإساءةٌ كبيرة إلى الشعب اليمني، هو أيضاً دليلٌ على الإفلاس.! لقد خاب أمل أمريكا وأمل عملائها وخدامها أولئك السيئين خاب أملهم في أن يحشدوا لمشاريعهم الرامية إلى اشغال الشعب اليمني وإلهائه عن التنبه للخطر الأمريكي، وإلهاء الشعب اليمني عن متابعة الإستحقاقات الكبرى لثورته وتضحياته التي قدمها إبّان كل ثورته منذ بدايتها إلى الآن، وفي مقدمتها إقامة حكومة عادلة يتحقق بها العدل، لأن العدل لن يتحقق للشعب إلاّ بإقامة حكومةٍ عادلة في مستوى المسئولية، تُمثل كل أطياف الشعب اليمني، وليست حكومة نفعية خاصةً بحزب همها تحقيق مصالح حزب، ومرتهنةً بيد الخارج، تقدم للخارج كل شيء، حتى كرامة الشعب، وحتى سيادة البلد.

   إن أولئك الذين أفلسوا في تحشيد الشعب اليمني لخدمة أهوائهم وأغراضهم ومكائدهم ومشاريعهم الفاشلة، اضطروا إلى أن يلجئوالجلب الخوارج الآتين من خارج البلاد، التكفيريين الأجانب، واضطروا إلى جلبهم من خارج البلاد.

أقول لكل تلك القوى العميلة إذا كنتم ترون في أنفسكم أن لكم امتداداً شعبياً، وحضوراً كافياً في أوساط الشعب اليمني فلما احتجتم إلى الأجانب.؟ لم احتجتم إلى الأجانب.! ولماذا تجلبون الأجانب إلى بلدنا ليثيروا المشاكل، وليقتلوا أبناء البلد.؟ هذه جريمة كبيرة بحق أبناء الشعب اليمني وهي دليلٌ على إفلاسكم.

   أقول لهم مثلما فشلتم في شكلكم السابق، في نفوذكم من موقع السلطة والحكم في كل حروبكم الست، ستفشلون هذه المرة، وستفشلون أمام كل مؤامرة من مؤامراتكم، لأنَّ شعبنا اليمني المسلم العزيز الحُرّ أصبح الآن أكثر وعياً من أي وقتٍ مضى، وأعظم عزيمةً وثباتاً وإصراراً على التحرر من ظلمكم وهيمنتكم أنتم وأسيادكم الأمريكان والصهاينة.

   إننا ونحن طلابٌ في مدرسة الإسلام الكبرى، والتي الإمام الحسين فيها من أعاظم أساتذتها، منه سمعنا واقتبسنا العزيمة والثبات والحرية والعزة والإباء والكرامة مع كل الشرفاء والأحرار في شعبنا وأمتنا، سنتحرك باستمرار وبكل ثبات، بكل إيمان، بتوكلٍ على الله سبحانه وتعالى، لمواجهة كل أشكال الظلم والطغيان اليزيدي والفرعون المتمثل بأمريكا وإسرائيل، والمتمثل بجلاوزتها وعملائها وخدّامها السيئين الذين ينفذون مؤامراتها داخل البلد.

   إن مأساة كربلاء مأساة، لكنها صنعت إنتصاراً، وأسست وبنت بنيان العز والمجد، وأعطت للحق دفعاً وللإسلام استمراراً، والأمل كبير، والنصر قريب، وعلينا أن نتحلى دائماً بالمسئولية، وأن نستعين بالله وأن نواصل المشوار في درب الإسلام، في نهج الحق حتى نُحقق لشعبنا ولأمتنا ما ترمو إليه، وما تحن إليه، وما تهدف للوصول إليه من العدل والخير والحق في مواجهة كل الظالمين والجائرين والفاسدين والطغاة والمستكبرين.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رابط الصوت..

http://www.4shared.com/mp3/ubZ-xWPi/__-__________-__-__1435.html

التعليقات مغلقة.